مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

بطاقات البريد.. لقطات الذاكرة والحنين

 

قبل أن نتمكن من إرسال الصورة مباشرة، وقبل أن نتمكن من مشاركتها مع كل العالم، لا فقط من نعرفهم، كانت محاولة (مشاركة) لحظات حياتنا أو الأماكن التي زرناها مع من نحب عمليّة أشبه بكتابة الشعر. محاولة لخطف اللحظة، نصاً وصورةً، كي تعبر الجغرافيا لتصل إلى من هم بعيدون، كل هذا اختزلته بطاقة البريد. الأداة التي تكثف الزمان والمكان، بعبارة وصورة.
ففي زمن كان السفر والتقاط الصور ميزةً لا يمتلكها الجميع، كانت بطاقات البريد هي المعادل الموضوعي للذاكرة، لا كما اليوم، حيث تصل آلاف الصور والكلمات التي نضخها كأفراد للعالم حد الملل.
لمحة تاريخية
يعود استخدام بطاقات البريد إلى بدايات ظهور الرسائل البريديّة، إذ كان يتم تبادل البطاقات في الأعياد والمناسبات الرسميّة كوسية للتواصل وتبادل التهاني، فمثلاً كان التقليد يقتضي أن تصل بطاقة الميلاد للمُرسل إليه خلال الخمسة عشر يوماً السابقة لرأس السنة، وإن وصلت بعد ذلك، يعتبر هذا نحساً.
البطاقات الرسمية التي نعرفها الآن يعود تاريخها إلى نهايات القرن التاسع عشر، ويختلف المؤرخون حول منشئها، هل بدأت في أوروبا أو في أمريكا، إذ تم تشريعها في الكونغرس الأمريكي عام 1898 كوسيلة تواصل شخصية، قبل ذلك كانت الحكومة الأمريكية ومنذ عام 1873 تصدرها حصراً كوسيلة للدعاية. أما في أوروبا فإن أول بطاقة بريدية ظهرت في ألمانيا، حيث صممها وزير البريد حينها (هينريك فون سيتفان) وعرضها في مؤتمر البريد الوطني. الأمر مشابه في معظم البلدان الأوروبية، إذ بدأت البطاقات بالظهور بصورة مشابهة، ففي البداية كانت الصور  مرسومة بشكل يدوي، بعدها تم تبنيها وتصنيعها عبر المطابع.
المنطقة العربية عرفت هذا النوع من الوسائل، لكن البعض ينزع نحو الاستشراق في تفسير ظهور بطاقات البريد في العالم العربي، بوصف أن هذه التقنية عُرفت في المنطقة كي يَنقل الغرب ما شاهده من مناظر (إيكسوتيكيّة) إلى أوطانهم في محاولة للمس (سحر الشرق) وتوثيقه، في حين من الممكن اعتباره تطوراً طبيعياً وتقنية جديدة تعرفت عليها المنطقة، لكن يلاحظ أنها بدأت كتقليد مرتبط بالأرستقراطيين، ولم تنشأ من منطلق الدولة أو من منطلق استخدام شخصي. وحسب صحيفة تشرين السورية فإن أول بطاقة بريدية في سوريا كانت عام 1862 وكانت الصور التي تحويها قد التقطت بمناسبة زيارة أمير ويلز لمصر وسوريا، كما شهد عام 1896 رحلة للأمبراطور الألماني غيلوم، حيث تم حفظ رحلته هذه عبر الصور التي تحولت إلى بطاقات بريديّة كانت تتبادل في تلك الفترة.
فقاعة التكنولوجيا
تحولت البطاقات البريديّة وخصوصاً بعد انفجار وسائل التواصل الاجتماعي والمشاركة الآنيّة إلى أقرب لهواية جمع للتحف، أهميتها الوظيفيّة تضاءلت أمام القدرة على نقل مشاركة لحظات حياتنا لحظة بلحظة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالتصنيع المرتبط بالبطاقة البريدية والمشابه للـ(كيتش)، لم يعد يشدّ الناس بوصفه مبتذلاً، في الوقت الذي أصبح الفرد حراً باختيار اللحظات التي يلتقطها ويشاركها، النوستالجيا المرتبطة ببطاقات البريد أصبحت مجرد هواية، وعاطفياً تحوي حنيناً لزمن أرق، وأقل سرعة، إذ فقدت نضارتها التواصلية، لتبقى ذات قيمة متحفيّة وفنيّة، التركيز فيها على الصورة، وقيمتها الفنيّة والتجربة التي التقطتها، ففي عصر البث المباشر، أصبحت تقنية التقاط الذاكرة المرتبطة بالبطاقة البريديّة أقرب للصيغة الفنية، لم يعد التوثيق هو الأهم، بل القيمة الفنية المرتبطة بالصورة أو النص المرتبط بالبطاقة البريديّة، فالصورة المميزة أو ذات القيمة الفنيّة العالية أصبحت أشد توظيفاً في البطاقة، بوصفها البطاقة بأكملها بنية فنيّة وشكلاً فنياً، لا وسيلة للتواصل.
حالياً تتيح الكثير من المواقع الإلكترونية البطاقات البريدية والتي تتنوع أشكالها، من الجدي حتى الساخر والهزلي. التقنية الجديد أصبحت تمكن أي مستخدم للإنترنت من اقتناء وصناعة البطاقة الخاصة به، سواء لإرسالها رقمياً أو طباعتها وإرسالها عبر البريد. الخصوصية المرتبطة بها لم تعد حكراً على المصور، بل أصبح التصميم ملكاً للمرسل، يختاره على هواه.

 

pantoprazol 60mg oforsendelse.site pantoprazol iv
ذو صلة