مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

مختلف عنهم

جالس في عتمته يحوم الحزن في حلقه يشعر بأن كتلةً اسودت من الكتمان لا الكلمات تخرج حتى تصل لمبتغاها ولا الصوت بات يُسمع، كان كئيباً خجولاً يختار الصمت في أغلب أوقاته خوفاً من أن يتم فضح أفكاره، لم يحاربه أحد أو يجرؤ على تغيير آرائه لقد تم رفضه بالكامل وهذا أسوأ ما قد يحدث له في حياته، صدمة تلقاها منذ زمن بعيد أعادت ذكريات طفولته أمام عينيه الآن بينما هو المشاهد الوحيد.
بدأ يسترجع كل ماضيه وكأن الصورة تصبح أكثر وضوحاً مما هي عليه، تذكر تلك اللحظة التي شعر بها بأنه حُرّ طليق متجرد من كل شيء، لحظة ثمينة تسللت إلى روحه ولو كانت لدقائق معدودة لكنها شكلت فارقاً كبيراً بداخله، طفل ابتعد عن مجموعته في الصف، بل إنه رفض المشاركة معهم وكأنه يريد أن يصنع تحفته الفنية الفريدة بنفسه وبخه المعلم لفعله هذا، لكن نظرته البريئة التي تعبر بالرفض جعلته يتراجع، يظهر بأنه وحيد لكنه ليس كذلك على الإطلاق، هو يبدع في عالمه الخاص، وحده الذي يجعل الأشياء بين يديه ذات معنى لأنه يؤمن وإيمانه بأنه يمتلك الكثير يغنيه عن الجميع، ومع ذلك الكل كان ينظر له بعين الغرابة، وتلك سر جاذبيته.
إنه متفرد بنظرته الخاصة للحياة، له رأيه، فلسفته الغريبة، تعبيراته التي لا تشبه أحداً، ومع ذلك لم يدعوه وشأنه، بل إنهم تصيدوا زلاته الطفيفة، لم ينسَ الكلمات البغيضة التي سمعها ممن حوله عن ردة فعله تجاه الأشياء، وفي نفس اللحظة لم يهتم بأحد سوى بأنه ذاك الإنسان الذي أراد بأن يُعبّر دون أن يجعل الخوف عائقاً له، تتوقف هذه الذكرى من رأسه فجأة ليعود لواقعه البائس ويتساءل في جوفه عن تغيره كلما كبر في عمره ازداد صمته وكثرت الأصوات في رأسه، لم يكن هيناً عليه ألا يتم الاستماع له أو أن يتم قمعه بهذا الشكل وهو الذي احتاج للتعبير.

ذو صلة