مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

نظرة حول علم المستقبليات وأهميته ونشأته واتجاهاته الحديثة

علم المستقبليات هو مجال دراسة يهتم بتحليل وفهم ما قد يكون في المستقبل من تغيرات وتطورات في مجموعة متنوعة من المجالات، ويهدف إلى توقع الاتجاهات والتوجهات المستقبلية وتقديم رؤى قيمة لمساعدة الأفراد والمؤسسات في اتخاذ قرارات إستراتيجية.
تطور علم المستقبليات على مر الزمن، وأصبح يشمل مواضيع محددة المحتوى وجدولاً زمنياً للعمل ومنهجاً علمياً، يتحدث مع عالم اليوم، الذي يتسم بالتغييرات المتسارعة في شتى جوانب الحياة المختلفة، حيث يعتمد علم المستقبليات على تحليل البيانات والتوقعات والاتجاهات، ويستخدم أدوات وتقنيات مختلفة لتحليل المعطيات وتوقع المستقبل.
ويهتم علم المستقبليات برصد التغيرات في الظواهر الإنسانية وتحديد الاحتمالات المختلفة لتطورها في المستقبل، ويتميز بالآتي:
- توفير رؤى إستراتيجية: يساعد علم المستقبليات في توفير وصياغة رؤى إستراتيجية للمستقبل، مما يساعد في تحقيق النجاح في عمليات التخطيط الإستراتيجي المبني على النتائج.
- تحليل الاتجاهات والتوجهات: يساعد علم المستقبليات في تحليل الاتجاهات والتوجهات المستقبلية في مجالات مختلفة مثل السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والطب والمجالات العسكرية والأمنية.. إلخ.
- توقع المشكلات والتحديات: يساعد علم المستقبليات في توقع المشكلات والتحديات المستقبلية التي قد تواجه الدول، مما يمكنها من اتخاذ التدابير اللازمة للتعامل معها.    
- تطوير المناهج والأساليب: يساهم علم المستقبليات في تطوير المناهج والأساليب البحثية المستخدمة في مجال التنبؤ بالمستقبل وتحليله.
- توفير الاستدلال العلمي: يعتمد علم المستقبليات على الاستدلال العلمي والبحث الدقيق لتحقيق نتائج دقيقة وموثوقة.
تشير نتائج الدراسات والبحوث إلى أن علم المستقبليات قد تطور بشكل سريع وملموس في العديد من المجالات والدول حول العالم، وقد جاءت هذه الدراسات لمواكبة الاهتمام العالمي بالتحليل المستقبلي منذ صدور كتاب (حدود النمو) في عام 1972م، وظهور مراكز البحوث والدراسات المستقبلية، وفي عصرنا الحالي، أصبح علم المستقبليات ضرورة ملحة، نظراً لتسارع التغيرات وتناميها، وتداخل الأحداث وتلاحقها، الأمر الذي جعل من علم المستقبليات أداة لخلق وعي قوي بالمستقبل وتنمية رأي عام مهتم بالمستقبل وتحفيزه لمواجهة تحدياته ورفع مستوى الوعي بالقضايا المستقبلية، من خلال مواكبة علم المستقبليات للمعطيات التي تنبئ بمستقبل جديد ومختلف، وتحليل التغيرات في ظواهر معينة وتحديد الاحتمالات المختلفة لتطورها في المستقبل الجديد، ولاسيما بعد ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي وبداية عصر ما بعد الإنترنت (الميتافيرس).
إن العالم العربي في هذه اللحظات من التاريخ في منعطف تاريخي كبير (نكون أو لا نكون)، حيث يسعى إلى توطين هذا العلم وتطبيقه في سياقه الثقافي والاجتماعي. وتتجلى أهمية علم المستقبليات المعاصر في تحليل الاتجاهات العالمية وتوقع المستقبل وتطوير إستراتيجيات التخطيط الطويل المدى. وفي عام 1978م، صدرت ورقة عمل عربية تهدف إلى إنشاء وتدعيم حركة فعالة للتخطيط المستقبلي، الأمر الذي يؤكد على الاهتمام العربي المبكر بعلم المستقبليات ورغبتهم في تطبيقها في سياقهم الثقافي، ولما كان علم المستقبليات يعد مجالاً لمختلف التخصصات ويهدف إلى زيادة درجة المشاركة في صنع المستقبل وتخطيطه وبالتالي، يمكن للعرب أن يساهموا في هذا الحقل من خلال توظيف معارفهم وخبراتهم في المجالات المتنوعة الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية، والأمنية..إلخ. خصوصاً بعد أن تكشف لنا وقوعنا ضحية في المؤامرة الكبرى التي أطلق عليها (ثورات الربيع العربي) التي خطط لها الغرب في مراكز الدراسات المسقبلية. تلك المؤامرة الدولية التي تهدف إلى بث المزيد من عوامل التفرقة والتشرذم بين العرب شعوباً وحكومات. وما يحدث في السودان اليوم خير شاهد على حلقة جديدة من مخطط الشرق الأوسط الجديد (مخطط الدم).
يواجه علم المستقبليات في العالم العربي والإسلامي بعض التحديات فيما يتعلق بالتوطين وسبل التفعيل الأمر الذي يحول دون أن يتمكن العرب من المساهمة في حل هذه الإشكاليات وتطوير علم المستقبليات في سياقهم الثقافي والاجتماعي، إلا أنه وبالرغم من تقدم نتائج البحوث ببعض الأفكار حول غياب دور علم المستقبليات في العالم العربي والإسلامي، ومن أسباب ذلك:
غياب الإطار النظري: حيث يعاني علم المستقبليات من غياب الإطار النظري الذي يمكن أن يؤدي إلى نظرية محددة بسبب عدم وجود تصور واضح للمستقبل في ذهن الشخصية العربية.
غياب الرؤية: يعاني العالم العربي والإسلامي من غياب الرؤية المستقبلية، وهو ما يشكل عائقاً كبيراً أمام انتشار علم المستقبليات في العالم العربي والإسلامي. الصعوبات المنهجية: هناك صعوبات منهجية تعيق انتشار علم المستقبليات في العالم العربي والإسلامي.
التنوع التاريخي والمفاهيمي: هناك تنوع تاريخي ومفاهيمي في التعريفات المرتبطة بعلم المستقبليات، مما يجعل من الصعب وضع إطار واضح للمجال.
قلة الاهتمام: هناك قلة الاهتمام علم المستقبليات في العالم العربي والإسلامي، وهو ما ينعكس في غياب البحث العلمي في هذا المجال، الأمر الذي يتضح في عدم وجود أكاديميات ومراكز بحوث.
خلاصة القول علم المستقبليات يعد (أورجانون) زمانه في تاريخ العلوم، ولا يمكن الحد من غياب دوره مع إلحاح التحول المتسارع دون العمل على تأسيس المراكز والهيئات والكليات والأكاديميات الوطنية المختصة في العالم العربي، حتى تؤهل المختصين المستقبليين القادرين علي التنبؤ بالمستقبل العربي من خلال صياغته وخلق الرأي العام المساند والداعم.
أهمية علم المستقبليات
اتخاذ القرارات الإستراتيجية: يساعد القادة والمديرين على توجيه منظماتهم بناءً على رؤى مستقبلية، مما يسهم في اتخاذ قرارات إستراتيجية أفضل وأكثر دقة.
التنبؤ بالتحديات: يمكن تحليل التغيرات المحتملة في المستقبل والتحديات المحتملة مثل التغير المناخي والأزمات الصحية، مما يمكن من التحضير لهذه التحديات بشكل أفضل.
تحفيز الابتكار والاستدامة: يلهم الباحثين ورجال الأعمال على تطوير تكنولوجيا وحلول جديدة لمواجهة التحديات وتحقيق الاستدامة.
نشأة علم المستقبليات
بدأت فكرة هذا العلم بالتطور في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين. تأثر مجاله بالأحداث الكبيرة مثل الحروب العالمية والتقدم التكنولوجي. أحد أوائل من وصف علم المستقبليات بشكل جاد كان العالم الفرنسي جاستون بيرجير (Gaston Berger) في الستينات. في العقود اللاحقة، انتشرت هذه الفكرة وأسست منظمات ومؤسسات للبحث والتعليم حول علم المستقبليات.
اتجاهات علم المستقبليات الحديثة
تكنولوجيا المستقبل: يعدّ التقدم التكنولوجي وتطور الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الجينوم وتكنولوجيا المعلومات أحد أهم اتجاهات علم المستقبليات. يتعين على العاملين في مجال استشراف المستقبل متابعة هذه التطورات وتقدير تأثيرها على مستقبل البشرية.
الاستدامة والتغير المناخي: يتعين على علم المستقبليات التركيز على قضايا الاستدامة وتغير المناخ والتحديات البيئية المستقبلية. من هذه التحديات:
1. التغير المناخي:
زيادة درجات الحرارة: من المتوقع أن تزيد درجات الحرارة العالمية في القرن 21، مما يتسبب في ارتفاع مستويات سطح البحر وتغيرات في الطقس قد تؤثر على الزراعة والبيئة.
تأثيرات ذوبان كتل الجليد: يمكن أن يسبب ذوبان الجليد في القطبين تغيرات هائلة في المحيطات والمناخ.
2. نفاد الموارد:
نضوب المياه: يتزايد الضغط على موارد المياه العذبة في العالم، مما يزيد من خطورة نفادها في المستقبل.
نضوب الموارد الطبيعية: يمكن أن يؤدي الاستهلاك غير المستدام للموارد مثل النفط والغاز الطبيعي إلى نضوبها.
3. فقدان التنوع البيولوجي:
انقراض الأنواع: يهدد انقراض العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية توازن البيئة وقوة التحمل في النظام البيئي.
4. التغيرات الاجتماعية والثقافية:
يجب أيضاً أن يأخذ علم المستقبليات في الاعتبار التغيرات الاجتماعية والثقافية المتوقعة، مثل تأثير التكنولوجيا على التفاعلات الاجتماعية والتحولات الديموغرافية.
• مدى مواكبة علم المستقبليات للمعطيات المعاصرة التي تنبئ بمستقبل جديد ومختلف.
دور استشراف المستقبل
- التنبؤ والتقييم: توفير رؤى حول كيفية تطور التغير المناخي وتأثيره على البيئة والاقتصاد.
- التخطيط والاستعداد: يمكن للمشهد المستقبلي المستند إلى البيانات والتحليل أن يساعد في تطوير إستراتيجيات للتكيف مع تحديات المستقبل.
- توجيه السياسات واتخاذ القرارات: له تأثير مباشر على صياغة السياسات البيئية والاقتصادية واتخاذ القرارات الحكومية.
- تعزيز الابتكار والاستدامة: يرتقب أن يلهم الابتكار في مجالات مثل الطاقة النظيفة والزراعة المستدامة.
تحول نحو التحليل البياني والبيانات الضخمة
أحد أهم الاتجاهات التي ساهمت في تطوير علم المستقبليات هو استخدام التحليل البياني والبيانات الضخمة. بفضل تقدم التكنولوجيا وتوسع الإنترنت وتنوع حقول استخداماتها، أصبح من الممكن جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات من مصادر متعددة مما يمكن أصحاب القرار من استخدام الأدلة القائمة على البيانات لاتخاذ قرارات أفضل وتوجيه إستراتيجياتهم.
استخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة
تقدمت التكنولوجيا بشكل كبير في مجالي الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، وهما الآن جزء لا يتجزأ من علم المستقبليات. يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات بشكل أكثر تعقيداً واستخراج أنماط واتجاهات غير مرئية بسهولة متفوقاً على الطرق التقليدية التي كانت متبعة سابقاً. يمكن استخدام هذه التقنيات لتطوير نماذج توقعية دقيقة تساعد في تحليل ما قد ينتج في المستقبل.
التفاعل المجتمعي وشبكات التواصل الاجتماعي
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي انتشاراً هائلاً في العقد الأخير، وأصبحت تحمل كميات ضخمة من المعلومات حول تفاعلات الناس وآرائهم. يمكن استخدام هذه المعلومات لفهم الاتجاهات الاجتماعية والسياسية والثقافية، مما يساعد في توقع التغيرات المستقبلية.
التنبؤ بمستقبل متغير وغامض
بالنظر إلى تطورات سريعة في مجموعة متنوعة من المجالات مثل التكنولوجيا والبيئة والاقتصاد، يصبح توقع المستقبل أمراً أصعب. على علم المستقبليات دور مهم هنا، وهو التعامل مع الغموض والمتغيرات بشكل أفضل وتحديث النماذج والأساليب باستمرار، أي سبق الأحداث حتى وإن كانت مبهمة يتوجب استحداث سبل لوضع سيناريوهات متباينة ووضع الحلول بافتراضات توافق الحلول الأفضل وكذلك الحلول البديلة.
• علم المستقبليات واستشراف المستقبل في الدول العربية: ماضٍ وحاضر ومستقبل
الماضي: تأسيس علم المستقبل في الدول العربية.
في القرون القريبة، كانت الدول العربية تركز على تطوير مؤسساتها والتنمية الاقتصادية، ولم يكن هناك اهتمام كبير بعلم المستقبل، ومع ذلك بدأ الاهتمام بالاستشراف في السنوات الأخيرة، وتم تأسيس مراكز ومعاهد لدراسة المستقبل في بعض الدول العربية.
الحاضر: مشاركة العرب في مجتمعات علم المستقبليات العالمية.
تأسست بعض المؤسسات والجامعات في العالم العربي لدعم بحث علم المستقبليات وتعزيز التفكير المستقبلي، كذلك تعاون عدد من العلماء العرب مع نظرائهم الدوليين في مؤتمرات وندوات حول المستقبل لمناقشة التحديات والفرص التي تواجه المنطقة.
نماذج لمؤسسات تعمل في حقل علم المستقبليات بالدول العربية:
توجد في دولنا، عدد من المراكز الحكومية المتخصصة في الدراسات المستقبلية مجملاً وعدد قليل من المراكز المتخصصة في الاستشراف العلمي والتكنولوجي، منها:
- مركز المستقبل للدراسات والأبحاث.
- المركز الإسلامي للدراسات المستقبلية.
- مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية في جامعة الكويت.
- المركز العربي للدراسات المستقبلية.
- مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
- المركز العراقي للدراسات المستقبلية.
- مركز واتا للدراسات المستقبلية للمنطقة العربية.
- مركز ليبيا للدراسات المستقبلية والإستراتيجية.
- الجمعية المصرية للبحوث المستقبلية العربية.
- الرابطة العربية للدراسات المستقبلية.
- المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية.
المستقبل: التحديات والآفاق
هناك تحديات تواجه هذا المجال في المستقبل:
1. التمويل والموارد:
يحتاج علم المستقبل إلى تمويل كبير وموارد لتطوير البحث والدراسة والتحليل والتدريب، وذلك يتطلب التعاون بين القطاعين العام والخاص.
2. التوجيه السياسي:
يجب أن يكون هناك التزام سياسي قوي بالاستشراف واعتماد التوصيات في صياغة الإستراتيجيات.
3. تبني الثقافة الاستشرافية:
تحتاج المجتمعات إلى تبني ثقافة استشرافية تشجع على التفكير بعيد المدى والتحليل الإستراتيجي.

ذو صلة