مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

بين غياب الدور وإلحـاح التحــول

يسمى (علم المستقبليات)، ويطلق عليه أيضاً (الدراسات المستقبلية)، وهو أحد العلوم الاجتماعية، الذي يركز على التنبؤ بالمستقبل، ووضع احتمالات للتغيرات المستقبلية التي سيشهدها العالم، وبالتالي لا بد من دراسة الاتجاهات المستقبلية على المدى البعيد، إضافة إلى وضع نماذج مستقبلية تساعد على التنبؤ بمتغيرات ظروف البيئة الخارجية، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو التكنولوجية أو الثقافية، ويشتهر استخدام علم المستقبليات في العديد من المجالات منها التنمية المستدامة، والتخطيط الإستراتيجي، والبحث العلمي، والريادة، والتكنولوجيا، والتغيرات البيئية المختلفة. وتشير بداية ظهور علم المستقبليات إلى الفترة الفاصلة بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وخلال هذه الفترة أجريت العديد من الدراسات التي اعتمدت على التغيرات التاريخية من جانب وعلى المتغيرات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والتكنولوجية والثقافية من جانب آخر، حيث استخدمت تلك الدراسات العديد من منهجيات البحث مثل السيناريوهات المنمذجة، وتحليل النماذج والاتجاهات المستقبلية.
كما تتجلى أهمية علم المستقبليات في العديد من الأبعاد، إذ ساهمت في مساعدة المؤسسات والأفراد في عملية صنع واتخاذ القرارات المثلى، وذلك من خلال رسم السيناريوهات المستقبلية المحتملة، التي تتوافق مع أي تغير يحدث في المستقبل، ولاسيما أن علم المستقبليات ساعد أيضاً في بلورة الابتكار والتكنولوجيا، عن طريق تكثيف جهود الباحثين تجاه اقتناص الفرص التكنولوجية المتاحة. كما أن إعداد الإستراتيجيات طويلة المدى والتخطيط السليم كانت أحد أهم إسهامات علم المستقبليات والتي تنعكس نتائجها إيجاباً على مصير المؤسسات ومستقبلها، ويعد هذا العلم ذا أهمية نوعية في الإعداد لتغيرات المجتمع، حيث يتم التركيز في هذا الجانب على المتغيرات الديموغرافية وعلى الأبعاد الاجتماعية والثقافية، التي تعزز مفهوم التنمية المستدامة. لكن حديثاً أصبح هذا العلم أداة تثقيفية وتوعوية لاستغلال الفرص المتاحة وتحويل التحديات إلى فرص للنهوض قدماً تجاه تحقيق المؤسسات لأهدافها المرجوة.
وبما أن علم المستقبليات يعد علماً ديناميكياً يتأثر بمتغيرات البيئة الخارجية، سواء الاقتصادية منها أو السياسية أو التكنولوجية أو الاجتماعية فإن الدراسات أظهرت له العديد من الاتجاهات الحديثة والتي يمكن أن تتغير وتتطور مع مضي الوقت ومع التغيرات التكنولوجية الحديثة، ومن أهم هذه الاتجاهات الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، مثل الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، وذكاء الأعمال، والروبوت، وكذلك أنظمة الطاقة الحديثة والمتجددة، مما لها أثر إيجابي أثناء استغلالها بالشكل السليم على المجتمعات ومستقبل منظمات الأعمال. كما تعد التنمية المستدامة أحد أهم الاتجاهات الحديثة لعلم المستقبليات، من خلال التركيز على القضايا المجتمعية بدمجها مع التقدم الاقتصادي والبيئي المناسبين. كما أن للجوانب الكمية والنماذج الرقمية نصيب من الاتجاهات الحديثة لعلم المستقبليات، من خلال التركيز على تحليل البيانات واستنتاج السيناريوهات المستقبلية، والخطط الإستراتيجية المرنة التي تساعد في تمكين الأفراد والمجتمع لبناء مستقبل واعد من جهة، وفي التحسين المستمر والتكيف مع الظروف المستقبلية المتسارعة وحل المشاكل والتعقيدات من جانب آخر.
ومن الجدير بالذكر أن للدول العربية دوراً مهماً في علم المستقبليات من بداية العصور الوسطى حيث كانت الأندلس محطة للفكر الإسلامي والعربي، وفي العصور الحديثة كثّف العلماء جهودهم في علم المستقبليات على الرؤى المستقبلية، وذلك بتقنين التطورات التقنية والتكنولوجية تجاه مستقبل مزدهر، عن طريق البحث في التوجهات المستقبلية ومعرفة أثرها على أبعاد التنمية المستدامة، والتركيز على الفرص والتهديدات المستقبلية واتخاذ القرارات الإستراتيجية الصحيحة، ذات الانعكاس الإيجابي على الحياة المجتمعية والظروف السياسية والاقتصادية والثقافية. وبالتالي يجب على الدول العربية أن تطور من المهارات التكنولوجية، وتشجع التعاون المعرفي المتبادل مع الجهات ذات العلاقة، للتخلص من مشاكل الضعف في البنى التحتية، وانخفاض أعداد العاملين، والتي تؤثر بشكل سلبي على المجتمع وعلى مستقبل منظمات الأعمال، ولاسيما وجود رؤية إستراتيجية تقوم الدول العربية بإعدادها، تركز على علم المستقبليات وأثره في ترسيخ مفهوم البحث العلمي، وتأكيد دور ريادة الأعمال وتطوير التكنولوجيا في بناء مستقبل مبشر. ومن بعض الواجبات التي يجب على الدول العربية أن تقوم بها في مجال علم المستقبليات، التركيز على دعم البحث العلمي وتقديم كافة الموارد المطلوبة، بما فيها تكليف الجامعات ومراكز البحوث والتطوير والإبداع والريادة، بالإضافة إلى تدريب الكوادر على التعامل مع التقنيات والأدوات الحديثة، التي تساعد في رسم السيناريوهات المستقبلية السليمة، كما يتوجب على الدول العربية تعزيز أطر التعاون الدولي والإقليمي في علم المستقبليات لتبادل الخبرات والمعارف، التي تساهم في تحقيق التنمية المستدامة والتوازن في كافة بلدان المنطقة، كما يتوقع أن تزداد نسبة اهتمام الدول العربية في علم المستقبليات، نتيجة التطورات التكنولوجية المتسارعة، وظروف البيئة المتغيرة، وحاجة المجتمعات الملحة إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وفي النهاية لابد من مواكبة علم المستقبليات للمعطيات الحديثة والمعاصرة، حيث إن هذا العلم يركز على الاحتمالات والتغيرات الواردة مستقبلاً، مع الأخذ بالحسبان المعطيات المعاصرة التي تعطي مؤشرات للمتغيرات التي يمكن أن تحدث في المستقبل وعلى كافة الصعد، لذلك وجب على علم المستقبليات أن يحتوي هذا التغيير، وذلك من خلال البحث والتحليل والتقييم للتطورات التي تحصل في ظروف البيئة المستقبلية المتغيرة، والتي تعد جوهر علم المستقبليات.

ذو صلة