مجلة شهرية - العدد (574)  | يوليو 2024 م- محرم 1446 هـ

المدرسةالمبدعة

كان ظهور كتاب (أمة في خطر A Nation at Risk) في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983م، بداية لصحوة تعليمية دقت على جرس القصور في النظام التعليمي الأمريكي لإعداد مواطنين قادرين على مواجهة القرن الحادي والعشرين، هبت رياح بسرعة ألف حصان من التحرك السريع، حيث قام (رونالد ريغان) بتكوين لجنة رئاسية على أعلى مستوى لمراجعة هذا النظام، واقتراح إستراتيجيات وسياسات لتحسين وتطوير التعليم، وتبعها حمى الإصلاح التعليمي العالمي، حيث شمل اليابان ودول أوروبا الغربية والهند وإسرائيل، ودول المعسكر الشرقي، كل هذا تماشياً مع متطلبات العصر، وكانت ثورة التعليم، ومع التطورات والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والسياسية؛ كان لا بد من التركيز بجانب التعليم على المهارات التي يتطلبها القرن الواحد والعشرون، حيث إن متطلبات سوق العمل تتنوع يوماً بعد يوم، نتيجة التغيرات التكنولوجية والتطورات الاقتصادية والاجتماعية، حيث أصبح سوق العمل مليئاً بالشركات المختلفة والشركات متعددة الجنسيات وبحاجة لمهارات مختلفة. وبما أن أكثر سكان المملكة العربية السعودية هم من الفئات الشابة المستفيدة من التعليم، لذلك كان لا بد من تسليح الطلاب بالمهارات التي تواكب المرحلة، وفق توجهات ومتطلبات سوق العمل، لأن سوق العمل يتطور، فتظهر وظائف وتختفي أخرى، حيث المهارات التي نركز عليها في التعليم. وتشتمل مهارات القرن الحادي والعشرين الكثير من القدرات والمهارات والسلوكيات التي يحتاجها التعليم، لأن الجانب النظري والمعلومة الصامتة لم تعد هي الأساس بل التعليم المتعمق والذي يعتمد على المهارات، وتتمثل بمهارة حل المشكلات، والمنطق التحليلي، والعمل الجماعي، حيث احتياج الفرد للعمل اختلف عن ذي قبل، ففي البداية كانت الحاجة للعمل من أجل الاستقرار المادي، ثم تطورت المجتمعات وأصبح للفرد حاجات نفسية واجتماعية، بجانب حاجته للمال، وأصبح الرضا عن الحياة العملية والسعادة فيها جانباً مهماً، وبوجود المنافسة الشديدة أصبحت السعادة في العمل مرتبطة بمدى ما تمتلكه من مهارات تجعل الفرد أكثر مرونة وأسرع تكيفاً في بيئة العمل، فكانت المهارات الناعمة التي تتمثل بالمهارات الشخصية أو التعاونية أو المستندة إلى التعلم، مثل المهارات الحياتية (سلوكيات حل المشكلات) ومهارات التعامل مع الأشخاص والمهارات الاجتماعية ومهارات التواصل مع الآخرين والتعاون معهم، ومهارات اتخاذ القرار.. وغيرها من المهارات التطبيقية المطلوبة، ويمكن تلخيص جميع المهارات المطلوبة في القرن الواحد والعشرين بالآتي: التفكير النقدي، الإبداع، حل المشكلات المعقدة، المرونة الإدراكية، اتخاذ القرارات، إدارة الأفراد، التفاوض، التنسيق مع الآخرين، الذكاء العاطفي، توجيه الخدمات.
والتعليم هو المحرك الأساس للحاق بركب الحضارة والتنمية والتطور على جميع الأصعدة، وفي ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات تأثرت السياسات التعليمية بشكل سلبي وإيجابي على حد سواء، وزادت التحديات التي تحيط بها، هذه التحديات لا يمكن تجنبها، بل ينبغي مواجهتها لنصل لحلول سليمة بالتركيز على الاستثمار البشري الذي يمثل الثروات الحقيقية لأي بلد. إن التعليم والعمل على تطويره هو هم كبير وثقيل، حيث الأمم تتطور بالتقدم التعليمي، ومن الضروري أن تتكاتف الجهود لعمل مشروع وطني يقتضي معالجة موضوع عدم التوافق بين المؤهلات التي تم اكتسابها من خلال نظام التعليم العالي، ومتطلبات سوق العمل، لذلك كان لا بد أن يتم تغيير منهجية التعليم والتعلم، حيث التركيز على منهجيات التدريس ومهارات التعلم والابتكار، والتركيز على المهارات التي تلبي متطلبات القرن الواحد والعشرين. ففي القرن العشرين هيمنت المهارات المتعلقة بالتوظيف على المدارس والجامعات والمهن. أما اليوم فيجب على الطلاب تعلُّم المهارات التي تُلبّي تغيُّرات القرن الجديد، وأن يكونوا القوى العاملة في المستقبل. ونتيجة لذلك، يجب على المعلمين تغيير منهجيات التدريس لتعليم مهارات التعلم والابتكار، حيث تتطلب المهارات الحديثة مزيجاً من المعرفة التقنية والقدرة على التعامل مع التكنولوجيا بفاعلية. ولا يمكن إغفال أن هناك حراكاً تقوم به وزارة التعليم والجامعات من أجل مواكبة الحراك العالمي والتغيير. ووفقاً لما جاء في موقع (المنصة الوطنية الموحدة)، حيث أسهمت جهود وزارة التعليم لتطوير التعليم العام في تحسين نتائج التعلّم، وتعزيز قدرة قطاع التعليم العام في المملكة على المنافسة عالمياً، إلى جانب تحقيق العديد من المنجزات خلال العام 2022، ومواصلة التقدّم في مؤشرات الأداء العالمية في مجال التعليم، واحتلت المملكة المركز الثالث في مؤشر إجمالي الإنفاق على التعليم، وتقدمت المملكة خمس مراتب في مؤشر التنمية البشرية (HDI) الصادر عن تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2022، كما سجل التعليم السعودي نتائج متقدمة في عدد من المؤشرات الدولية لقطاع التعليم، حيث تقدّم في 16 مؤشراً من مؤشرات التنافسية العالمية في قطاع التعليم، وفق الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2022. وحظي النموذج السعودي في إتاحة التعليم عن بُعد وأدوات التعليم الإلكتروني للطلاب والطالبات في جميع المراحل الدراسية بإشادات دولية عديدة، وأحدثها الدراسة الصادرة عن البنك الدولي، وكذلك إشادة منظمة اليونيسيف لدول الخليج العربية، إضافةً إلى اختيار توثيق نموذج منصة (مدرستي) ضمن أفضل أربعة نماذج عالمية في التعليم عن بُعد من قبل اليونسكو، إلى جانب حصول طلبة المملكة على 88 جائزة وميدالية في الأولمبياد والمسابقات الدولية. وكل هذه التغيرات ستلقي بظلالها على مستقبل التعليم في المملكة العربية السعودية.
أيضاً لا بد أن تكون مدرسة المستقبل مهيأة للتطورات والتغيرات المستقبلية، حيث تهيئة الكوادر وتدريبهم للقيام بأدوارهم غير التقليدية، من أجل رفع مستويات أدائهم، والتعامل بشكل مؤسسي، حيث إدارة مدرسة المستقبل عن طريق تخطيط المشروعات، ووضع أهداف ومؤشرات أداء لتحقيقها، كذلك تتطلب الكثير من الإمكانات التكنولوجية الهائلة والاتصالات والمعلومات بكافة أنواعها. وذلك لخدمة كافة أركان العملية التعليمية، سواء أكانوا طلاباً أم معلمين أو مناهج دراسية أو الهيكل الإداري، وقد كانت هناك نماذج لمدارس المستقبل، ومنها تجربة نموذج يسعى إلى تنمية المهارات الإبداعية، وهي نموذج (المدرسة المبدعة) The School Creative، إذ يقوم هذا النموذج بتوفير البيئة المناسبة التي تشجع على الإبداع الفردي وتنمية المهارات الفردية. أيضاً تمحورت حول مبدأ التربية المستدامة بمعنى التعليم المستمر مدى الحياة، إذ تكون العملية التعليمية مستمرة وتشمل الطلاب وأولياء الأمور والكادر التعليمي والإداري، حيث الجميع يخضع إلى التعليم والتدريب والتنمية المهنية، وأطلق على هذه المدارس اسم (المدرسة المتعلمة) The School Learning، وهذا النموذج من المدرسة المستقبلية كفيل بأن يواكب كل المتغيرات ويطور من العملية التعليمية ويلبي احتياجات الفرد والمجتمع، أيضاً نموذج آخر من مدارس المستقبل والتي تقوم على مبدأ التعليم التعاوني، وتسمى (المدرسة التعاونية)The School Collaborative، وهي تركز على مبدأ التعاون بين المعلم والمتعلم، والتعاون بين الجميع، للعمل على تطوير أساليب التدريس بروح تعاونية. فالمدرسة المستقبلية هي حجر الأساس لتطوير العملية التعليمية ومواكبتها لكل المتغيرات المتسارعة حولنا من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واقتصاد وتحولات اجتماعية من أجل تخريج أجيال متمكنة ومتسلحة بالمهارات والقدرات التي تمكنها من مواكبة المجتمعات المتغيرة.

ذو صلة