مع بداية تكوين المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز (يرحمه الله)؛ نال التعليم منه عناية خاصة، وشيد المدارس وجلب لها علماء متخصصين في كافة المجالات العلمية، وكانت المدينة المنورة ومكة المكرمة من أوائل المدن السعودية التي حظيت بعناية خاصة بإنشاء المدارس الأهلية من قبل الملك عبدالعزيز آل سعود.
وقد شجع الملك عبدالعزيز أهل الخير على بناء المدارس الأهلية للنهوض بالجانب التعليمي، من أجل أن تمد الدولة برجال متخصصين في العلوم الشرعية والعربية.
وقد مر اهتمام الملك المؤسس بالتعليم بمرحلتين: الأولى بدأت منذ استرداده مدينة الرياض في عام 1319هـ/1902م، وانتهت بضم الحجاز، ومن ثم تأسيس مديرية المعارف عام 1344هـ/1925م، فقد ركز خلال هذه الفترة على تعليم أمور الدين، وذلك بعقد حلقات الدروس في المساجد بعد كل صلاة، فضلاً عن الكتاتيب المنتشرة في أحياء مناطق الحجاز مثل: كُتَّاب الشيخ عبدالله دهان بمكة المكرمة، وكُتَّاب الشيخ محمد التابعي بالمدينة المنورة، وكُتَّاب علي هلال في حارة الشام بمدينة جدة، وبالطائف كُتَّاب الشيخ عبدالله سندي (مسجد الهادي).
الفترة الثانية بدأت منذ دخول الملك المؤسس مكة، حيث لم يكن في الحجاز سوى أربع مدارس أهلية هي: الصولتية، الفخرية، الفلاح في جدة، والفلاح في مكة. وقد حث الملك العلماء في هذه الفترة على نشر العلم. كما شجع الملك تكاتف أهل الخير في إنشاء المدارس الأهلية. وكان لهذه المدارس أثرها في تثقيف وتعليم أبناء الجزيرة العربية عامة وأهل الحجاز خاصة، كما أن أوائل العاملين في المصالح الحكومية في المملكة كان معظمهم من خريجي هذه المدارس الأهلية.
إن أول ما اهتم به الملك عبدالعزيز مع دخوله الحجاز عام 1344هـ - 1926م بعد نشر الأمن وتثبيته هو التعليم، فالتقى بعلماء مكة وتشاور معهم في الوسائل التي تخدم العلم وتنشره، وأعلن عن إنشاء مديرية المعارف في غرة رمضان 1344هـ - مارس 1926م. وتحقيقاً لحسن سير التعليم أمر الملك عبدالعزيز عام 1346هـ - 1928م بتشكيل مجلس للمعارف يتألف من ثمانية أعضاء سوى الرئيس للإشراف على التعليم، ووضع برامجه ومناهجه، وتأليف الكتب المدرسية، ووضع الأنظمة الخاصة بالمدارس والمديرين والمعلمين، ووضع أنظمة الامتحانات، والإشراف على الكتاتيب، وللمجلس الحق في تعيين المعلمين وفصلهم في حالة الضرورة. ولقد اهتم الملك عبدالعزيز بالمدارس الأهلية التي كانت قائمة في الحجاز، واعتنى بها وبالمدارس التي أحدثت فيما بعد، وعمل على تطويرها بمختلف الوسائل، ومما دفع المحسنين من الناس إلى إنشاء المدارس الأهلية رغبتهم في إيجاد البديل الأمثل للتعليم عن المدارس العثمانية والهاشمية التي لم تفِ بحاجة أهل الحجاز إلى العلم، فقامت بعض المدارس واستمرت بجهود ذاتية، وبخدمات تطوعية، وتبرعات شخصية. وقد قام بإنشاء المدارس الأهلية في المدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة والطائف الرواد من المهاجرين الذين تأثروا بالأفكار التربوية التي تعلموها في بلادهم، وحظيت المدارس الأهلية بعناية مدير المعارف منذ أول نشأتها عام 1344هـ - 1925م، ومع صدور نظام مجلس المعارف عام 1346هـ - 1927م كانت المادة الأولى تنص على توحيد التعليم، ويقصد بذلك أن يكون التعليم الأهلي والحكومي تحت إشراف مديرية المعارف. وفي عام 1346هـ - 1928م طالبت مديرية المعارف العمومية جميع المعلمين بالمدارس التحضيرية والابتدائية مراجعة إدارة المعارف لتسجيل أسمائهم ومنحهم رخصاً للتدريس، ومن تلك المدارس على سبيل المثال: في مكة المكرمة: مدرسة النجاح الليلية، ومدرسة دار الحديث، وفي المدينة المنورة: مدرسة العلوم الشرعية، والمدرسة الخيرية، وبخصوص مدينة جدة فقد بقيت فيها مدارس الفلاح تؤدي دورها التعليمي على أكمل وجه، ولا أدل على ذلك من أنَّ جلالته حرص أثناء دخوله إلى مدينة جدة خلال مراحل التوحيد والبناء على زيارة مدرسة الفلاح التي تُعدُّ من أهم المرافق في (جدة) آنذاك، لما لها من دور كبير في مجال نشر العلم والمعرفة، وهي من أهم الجوانب التي كانت تهم موحد المملكة لبناء الدولة والاستثمار في أبنائها، وفي الطائف ظهرت لدينا المدرسة السعودية الابتدائية عام (1347هـ/1927م).
لم يقتصر التعليم الأهلي من كتاتيب ومدارس أهلية على البنين فقط بل شمل أيضاً التعليم الأهلي للبنات، فقد وجدت في عهد الملك عبدالعزيز كتاتيب نسائية مثل: كُتَّاب الفقيهة فاطمة البغدادي بمكة المكرمة، وكُتَّاب فاطمة هانم في الساحة بالمدينة المنورة، وكُتَّاب الفقيهة خديجة الشامية، وكُتَّاب الفقيهة زهرة بنت ريمة المغربية في الطائف، ومدارس أهلية للبنات في الحجاز.
واستمرت الدولة في تشجع إنشاء المدارس الأهلية للجميع، والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها على سبيل المثال: المدرسة الخيرية العارفية، ومدرسة الفتاة الأهلية في مكة المكرمة، وفي المدينة المنورة: مدرسة تهذيب الأخلاق عام 1348هـ - 1928م في الشونة، ومدرسة فاطمة هانم عام 1350هـ - 1930م في الساحة، وفي مدينة جدة: مدرسة الثقافة الشعبية بجدة، ومدرسة جدة للبنات.
أما فيما يخص المدارس الأهلية في مدينة الطائف في عهد الملك المؤسس (طيب الله ثراه)، فحسب الاطلاع على المصادر والمراجع لم توجد سوى مدرسة واحدة فقط، وقد سميت بمدرسة (الفلاح)، ومدرسة أهلية للبنات تسمى بمدرسة خوجة هانم، وأسست عام 1360هـ/1941م بجهود السيدة الفاضلة (ألطاف عمر صائب).
ومن هنا يتبين لنا مدى اهتمام الملك عبدالعزيز بالتعليم الأهلي، وكيف ساهم في نشأة وتطور التعليم في تلك البلاد. ويعتبر التعليم الأهلي النواة الأولى للتعليم في منطقة الحجاز. وعلى الرغم من محدودية الموارد في عهد الملك عبد العزيز، فقد ظل النمو في التعليم يسير بخطى ملموسة.