مجلة شهرية - العدد (584)  | مايو 2025 م- ذو القعدة 1446 هـ

حضور الجزائر في كتابات الرحّالة السعوديين

نشرت فيما مضى مقالتين في (المجلة العربية) عن حضور الجزائر في الأدب السعودي، وجاء الأول عن السيرة الذاتية، والثاني عن المقالة. ولكن الملاحظ أن معظم من كتبوا عن الجزائر في سيرهم الذاتية، أو في مقالاتهم لم يزوروا الجزائر إطلاقاً، وجاءت كتاباتهم في سياق ذكريات الطفولة عندما أقرت الدولة أسبوع الجزائر أثناء الثورة التي سبقت الاستقلال، أو مقالات كتبوها في السياق نفسه تعاطفاً مع الثورة وأحداثها، أو فرحة بالاستقلال.
أما هذا المقال الجديد فهو مختلف كل الاختلاف عن المقالين السابقين؛ إذ يرصد انطباعات الأدباء والكتّاب السعوديين الذين زاروا الجزائر في رحلة عمل أو سياحة، وهم بطبيعة الحال قليلون، ويأتي في مقدّمتهم: الشيخ حمد الجاسر (ت1421هـ)، والأستاذ عبدالله الحقيل (ت 1440هـ)، والأستاذ حمد الزيد، والأستاذ عبدالله الناصر الملحق الثقافي بالجزائر سابقاً، والأستاذ محمد الجلواح، والدكتور مازن مطبّقاني، والأستاذ هزّاع الشمّري.. وغيرهم.
وربما يكون الأستاذ عبدالله الحقيل من أقدم السعوديين الذين أُتيحت لهم زيارة الجزائر، والعمل فيها سنتين معلماً، ضمن أول وفد أرسلته الحكومة السعودية لمساندة الجزائر في التعريب بعد الاستقلال مباشرة تقريباً. ومع طول المدة التي قضاها الحقيل معلماً في الجزائر؛ فإن كتابته كانت موجزة ومختصرة، وجاءت في ثلاث صفحات فقط، ونشرها في كتابه (رحلات إلى الشرق والغرب)، ولكنها كانت مليئة بالمعلومات المهمة عن هذا البلد العزيز وواقعه بعد الاستقلال بسنتين تقريباً، إذ يذكر الحقيل أن قدومه ومعه خمسة معلمين في شهر رجب من عام 1384هـ (نوفمبر 1964م).
ولم يخفِ الحقيل فرحته باختياره ضمن البعثة التعليمية المتجهة إلى الجزائر، ورأى أن هذا واجب، ومجال لمحاربة الاستعمار كي تبقى الجزائر عربية مسلمة، يقول: (كان دافعي أن أشارك إخواننا الذين حاربوا الاستعمار لتبقى الجزائر عربية مسلمة، جهد طاقتي وسعة معرفتي، بل رأيت ذلك واجباً لا مندوحة عنه، فاستجبت لثقة المسؤولين ورحلت للجزائر في شهر رجب 1384هـ مع نفر من الإخوان).
ويبدو أن الحقيل ومن معه تجولوا في بعض المدن الجزائرية الساحلية، ومن هنا فعندما طُلب منه اختيار مدينة للتدريس فيها اختار (وهران) التي وصفها بأنها (المدينة الثانية والثغر الباسم الجميل)، فتوجه إليها بالقطار حتى بلغها، ووصف لحظات الوصول قائلاً: لقد أنسانا التعب والمشقة تجدد المناظر ومرأى المزارع والأودية والبساتين وأشجار العنب والغابات على سفوح الجبال، ومررنا بقرى ومدن كثيرة، ورددت هذا البيت:
وردتُ وهرانَ ملتاعاً ومغتبطا
تطغى بنفسي آمالٌ وأفكارُ
وأبدى الحقيل سعادته الغامرة لرغبة الحكومة الجزائرية في التعريب العاجل ومحو آثار الاستعمار البغيض، حين يقول: (سعدت كثيراً حينما كنت أسير في شوارع الجزائر ووهران وتلمسان وعنّابة وغيرها من البلدان، فرأيت الأسماء العربية والإسلامية وأسماء الشخصيات الجزائرية المجاهدة ممن كان لهم دور إيجابي في تاريخ الجزائر مثل: عبدالحميد بن باديس، والأمير عبدالقادر الجزائري، والإبراهيمي.. وغيرهم).
أما الشيخ حمد الجاسر فقد زار الجزائر في عام 1392هـ/1972م، أي بعد الاستقلال بعشر سنوات، وكتب عن الرحلة ما يقرب من ثلاثين صفحة في مجلته (العرب)، ثم أعاد نشرها في كتابه (رحلات للبحث عن التراث)، وجاءت زيارته للجزائر ضمن جولة على عدد من دول المغرب العربي، وحدّد الهدف من زيارتها، وهو البحث عن رحلات الحج، وأشار إلى أن علماء المغرب تفوقوا على المشارقة في هذا المجال، (وأن هناك عشرات المؤلفات عن الرحلات لأولئك العلماء لا تزال مخطوطة).
وقد قص الجاسر جوانب من معاناته للحصول على فندق مناسب إلى أن وجد في اليوم الثاني فندقاً راق له، واسمه (الفندق الملوكي)، وذكر أنه وجد فيه غرفة ملائمة، فأسرع بإحضار أمتعته من الفندق السابق الذي لم يرتح فيه، وأشار إلى أجرة الفندق 25 ديناراً، (أي ما يقارب ستة دولارات أمريكية)، ثم تجوّل في المدينة واصفاً لها، يقول: (واصلت التجول في المدينة كعادتي كل صباح حتى توسطت داخلها، فرأيت عن يميني درجاً طويلاً صاعداً إلى أعلى... ومدينة الجزائر تقع فوق تلال مرتفعة ملتوية ومتعرجة بتعرّج ساحل البحر، وممتدة على الساحل بشكل أنصاف الدوائر، صعدت مع الدرج فأعجبني ما شاهدت على قمة التل من الحدائق والمباني التي أكثرها حديث، فواصلت السير محاولاً أن أصل إلى أعلاه من أسهل الطرق، كان اليوم جمعة، ولكنه ليس يوم عطلة، ففي الجزائر يعطلون آخر نهار السبت ويوم الأحد، لم أشعر أثناء السير إلا وأنا أمام مبنى جميل حديث كُتب فوقه (المكتبة الوطنية)، فاستهواني الاسم).
كان وصول الجاسر إلى مبنى المكتبة الوطنية صدفة لم يقصد إليها، ولكنها كانت مفاجأة سارة له، إذ من أهدافه البحث عن الكتب والمخطوطات، وبخاصة رحلات الحج، فدخل المكتبة فوراً رغم تحذير طبيب العيون له بأن يخفف من الاطلاع والقراءة، يقول: (دخلت المكتبة رغم تحذير طبيب العيون لي من كثرة المطالعة، ورغم عزمي على إراحة نظري، إذ لم أستطع الصبر على عدم القراءة، مع أنني كنت مرهقاً من أثر التعب، ولكنني كثيراً ما أجد فيها كل راحة). وسأل موظفي المكتبة عن قسم المخطوطات، فدلوه عليه وقدموا له فهرساً بالمخطوطات الموجودة، فأقبل على (تصفحه كالجائع النهم على طعام لذيذ).
ويصف الشيخ حمد الجاسر جولاته في شوارع الجزائر ليلاً، ويشير إلى بعض الأسعار وقتذاك قبل أكثر من نصف قرن، وإلى أسماء بعض الفنادق والمعالم والحدائق التي مر بها، يقول: (جلتُ ليلاً في أعظم شارع في المدينة تقع فيه دار الولاية، ودار البلدية، وفندق (آليتي) أشهر فندق داخل الجزائر العاصمة، وأدهشني كثرة ما شاهدته من المقاهي الصغيرة، وما فيها من كثرة الروّاد، وأكثرهم من الشباب، والمقهى هنا غالباً يقدّم كل شيء من المشروبات، وأنواعاً يسيرة من المأكولات، وفي الصباح تغص المقاهي بالناس الذين يتناولون طعام الإفطار فيها: كوباً من القهوة بالحليب مع قطعة من الخبز الليّن (كيك)).
واختتم الجاسر مشاهداته في الجزائر بحديث عن الحركة الأدبية والثقافية، مشيداً بتميزها وحيويتها، خصوصاً أنها تعيش نشوة الفرحة بالاستقلال، يقول: (أدب هذا القُطر الحبيب يبدو له ظاهرة تميّزه عن الأدب في الأقطار العربية الأخرى، هي التأثر العميق بما أحرزته البلاد من انتصار، وبما برز من أبنائها من بطولات رائعة أثناء حرب التحرير، فكان أن أصبح التغني بتلك البطولات من سمات أدب هذا القطر).
وهناك رحّالة ومعلم زار الجزائر للعمل في العام نفسه الذي زار فيه الجاسر الجزائر، وهو عام 1392هـ/1972م، وهو حمد بن زيد الزيد، ولكن الفرق بينهما أن الجاسر زارها سائحاً وباحثاً عن المخطوطات في أيام معدودة، في حين مكث الزيد ثمانية أشهر معلماً ضمن البعثة التعليمية السعودية الداعمة للجزائر منذ الاستقلال.
وقد كتب الزيد باستفاضة عن عمله في الجزائر في كتابه (رحلاتي: جولات سياحية في 39 بلداً حول العالم)، وبلغت مشاهداته وانطباعاته أربع عشرة صفحة شرح فيها أسباب قبوله للعمل بعيداً عن الوطن، وحدّد عمره، وتخصصه في مجال التدريس، يقول: (رُشحتُ بطلب مني للعمل مدرساً ضمن بعثة تعليميّة سعودية مكوّنة من حوالي خمسة عشر مدرساً للجزائر عام 1972م/1392هـ، وكنت وقتها أعمل مدرساً ناجحاً للجغرافيا والتاريخ بإحدى ثانويات الطائف).
وقد فرح الزيد بالذهاب للجزائر لعدة أسباب، منها لأنه يحب السفر واكتشاف دول أخرى، ولأن راتبه سيتضاعف ويصل إلى ألفي ريال، وبخاصة أن لديه متاعب مالية كما يصفها بسبب بنائه بيتاً في حي قروي بالطائف.
وصل حمد الزيد مطار الجزائر قبل موعد العام الدراسي بأيام، وتواصل مع الملحق الثقافي السعودي في الجزائر محمد بن عبدالسلام الذي اختار له مدينة تتناسب مع كونه شاعراً، وتسمّى مدينة الزهور، وهي (البليدة)، وتبعد جنوب العاصمة الجزائرية بنحو أربعين كيلاً، وقد أُعجب بها ووصفها قائلاً: (هي حقاً مدينة جميلة، وفي الربيع تكتسي بحلة من الورود والزهور، ويطل عليها جبل الشريعة الذي يغطيه الثلج في فصل الشتاء... وسكانها قليل وريفها أخضر).
ويصف الزيد عمله في التدريس في الجزائر وحماسته للعمل رغم قلة الإمكانات فيقول: (باشرت عملي بعد وصولي إلى (البليدة) في ثانوية مختلطة للتعليم الأصلي كما يُطلق عليه، وقد استضافني أحد الزملاء السعوديين عدة أيام في منزله حتى عثرت على غرفة متواضعة في فندق يقع في وسط المدينة، وفوجئت بأنه ليس بين أيدي الطلاب كتب، وإنما هناك كتاب للمدرس، وقد كُلفت بتدريس الجغرافيا والتاريخ، وصرت ألخص وأملي مذكرات على الطلاب، وكانت المادة جديدة علي فلم أدرس في الكلية تاريخ الجزائر والمغرب إلا في العصور الإسلامية مع تاريخ الأندلس، واستطعت عمل كراسة صغيرة والنجاح في عملي).
ويكشف الزيد معاناته مع فصل الشتاء القارس في الجزائر، وملله من الإقامة في الفندق، فيقول: (كانت شدة البرودة وكثرة الأمطار في الشتاء من الأشياء المزعجة لي على الرغم من أني قدمت من الطائف، وهي مدينة جبلية باردة وممطرة، فكنتُ أشعل موقد الغاز في غرفتي بالفندق حيث لا يوجد تدفئة، كما كنت أتغدى في مطعم الفندق الذي يسمّونه (النُزل)، أو في مطعم يسمّى (مطعم الأكل اللذيذ)، وهما أحسن ما في المدينة، ولما ضاق ذرعي بالفندق وجدت عائلة جزائرية ليس لديها عائل، واستأجرت منها غرفة في منزلهم الذي هو عبارة عن (فيلا) في حي النخلة الجميل، وقضيت معهم شهر رمضان المبارك فقط).
ويقص الزيد موقفاً طريفاً حينما غيّر سكنه إلى غرفة في عمارة، وجلب تلفزيوناً يسلّيه مع ندرته في تلك الأيام، فيقول: (عثرت بواسطة مدير المعهد على أستديو في عمارة صغيرة مكوّنة من غرفة نوم صغيرة وحمّام ومطبخ صغير في المدخل، كما طلبت تليفزيوناً غير ملوّن من السعودية ساعدني على قتل الوقت، ولكنني وجدت مشكلة من جاري الجزائري الذي طلب مني أن أغلقه عند الساعة الثامنة مساءً، لأنهم كما قال ينامون مبكّرين وليس لديهم تلفزيون!).
وقد عيّن الكاتب والقاص عبدالله الناصر ملحقاً ثقافياً في الجزائر قبل أكثر من أربعين سنة، وتحتفظ ذاكرته بالعديد من المحطات والمواقف يكتبها بين آونة وأخرى في زاويته (بالفصيح) في جريدة الرياض، ومن أهمها مقالته (الرئيس الجزائري والشيك المفتوح) التي وثّق فيها حادثة مهمة تكشف الدعم السعودي غير المحدود للثورة الجزائرية ورجالها، يقول راوياً الحدث: (عندما عُيّنت ملحقاً في الجزائر كنت مهموماً بأمرين: الثقافة، والتاريخ الجزائري، وكنت قد قابلت الكثير من الأبطال الذين مازالوا على قيد الحياة، وسجلت بعض أحاديثهم، وكنت أُعجب ببطولاتهم الخارقة وكفاحهم الوطني العجيب.. ولعل أعجب شيءٍ وأغرب ما مر بي في الجزائر.. أنه في ذات يوم دخل علي رجل جميل المحيا، يلبس ثياباً بيضاء وعمة بيضاء، وكان في منتهى الوسامة، وقد جمله شيب لحيته البيضاء مع نضارة فيها كثير من الحيوية والشباب، وكنا قد أنشأنا مكتبة يؤمها الشبان الجزائريون.. كما كنا نوزع كثيراً من الكتب الثقافية، فأيقنت أن الرجل جاء يبحث عن كتب.. وحينما جلس أخذ يثني على المكتب، ويثني ثناء كبيراً على المملكة ودورها في حرب التحرير، فشكرته وأخذت أطارحه الحديث وأسأله عن أبطال الجزائر الأحياء.. فكان يحكي لي عنهم، ومن ثم سألته عن يوسف بن خده أول رئيس حكومة جزائرية بعد التحرير، وقلت له إنني في غاية الشوق لمقابلة هذا البطل.. فقال إنه بخير، فقلت له أين هو وماذا يعمل؟ فقال عاد إلى عمله القديم، فهو خريج صيدلة ولديه صيدلية يشرف عليها بنفسه، فقلت باستغراب يعمل صيدلياً؟! قال نعم أدى دوره الوطني في الكفاح، وهو يؤدي دوره الوطني الطبّي.. فقلت هل تستطيع أن توصلني إليه؟ فتبسم وقال وماذا تريد منه؟ قلت إنني معجب به وببطولته وأريد أن أراه.. فطأطأ رأسه ثم رفعه مبتسماً وقال: الذي يتحدث معك هو يوسف بن خده نفسه..! فقفزت من مكاني وقبلت رأسه وأنا لا أكاد أصدق).
ثم روى له الرئيس يوسف بن خده موقفاً خالداً عالقاً بذاكرته، إذ قال: (إن حبي للمملكة ليس عاطفياً فحسب وإنما هو مبني على مواقف كثيرة ومثيرة، سوف أذكر لك موقفاً واحداً كي تعرف مصدر هذا الحب على حقيقته: رشحتُ لأرأس الوفد الذاهب إلى المملكة، وجاءنا الترحيب سريعاً فسافرنا، وتم استقبالنا في المطار، ثم أنزلنا في فندق اسمه فندق اليمامة، وبعد المغرب جاءتنا سيارة من الملك لتنقلنا إلى الناصرية، ثم إن الملك سعود -رحمه الله- استقبلنا استقبالاً رائعاً، وتناولنا العشاء معه.. وكان مجلسه يغصّ بالناس، ثم إنه أشر إلينا فنهضنا إليه فأخذني بيده وكان معه الأمير فيصل -رحمه الله-، وسرنا إلى مختصر هناك، فلما جلسنا أردت أن أتحدث إليه وإلى الأمير فيصل فقالا: لا تقل شيئاً نحن نعرف أوضاعكم ونقف معكم بكل ما نملك.. ثم إن الملك فاجأنا بقوله: هذا شيك مفتوح ضعوا المبلغ الذي تريدونه!! قال: فظللت برهة مذهولاً لا أصدق ما سمعت، وقد التفت إلى أعضاء الوفد فرأيت أحدهم يمسح الدمع من عينه.. قال: ثم إننا وضعنا المبلغ الذي نريد وبعد يومين، سافرنا رأساً إلى الصين فاشترينا العتاد الحربي الضخم الذي لعب دوراً حاسماً في معركة التحرير).
ويعلّق عبدالله الناصر على الموقف حين يقول: (هذه شهادة رجل عملاق وبطل تحرير كان يصرخ وهو في قاع السجن: المجد للجزائر.. ثم صار أول رئيس حكومة جزائرية يعلن تحرير بلاده، ورحم الله الملك سعود والملك فيصل على هذا الموقف البطولي الذي سيظل يحتفظ به التاريخ).
وهناك من السعوديين من اختار موضوعاً بحثياً يرتبط بالجزائر، فكان لزاماً عليه أن يرحل إلى هناك، بحثاً عن المصادر والمراجع التي تعينه على إنجاز رسالته الجامعية العليا، ومن هؤلاء الباحث مازن مطبّقاني الذي اختار موضوعه في الماجستير بعنوان (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية)، وكان وقتها يدرس في قسم التاريخ في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ثم نوقشت، وطبع رسالته في كتاب بالعنوان نفسه في عام 1408هـ/1988م.
وقد روى مطبقاني سبب اختياره للموضوع والصعوبات التي واجهته، وأشار إلى رحلاته إلى الجزائر وتواريخها. وعاد بالذاكرة إلى الوراء بعيداً، أثناء دراسته الابتدائية، حين أدرك شيئاً عن الجزائر وثورتها؛ فقال: (يعود اهتمامي بتاريخ الجزائر إلى أكثر من حادثة، ففي إحدى سنوات دراستي الابتدائية (1375-1381هـ)، (1956-1962م) جاءت إلى مدرستنا لجنة لجمع التبرعات لمجاهدي الجزائر، فكانت حماسة التلاميذ عالية نتيجة للروح الإسلامية لدى معلمينا).
وبعد ذلك بسنوات التحق مطبقاني بقسم التاريخ في الجامعة لدراسة الماجستير، وكان هذا في عام 1394هـ/1974م، فدرس تاريخ شمال أفريقيا، وأدرك الدور الريادي لجمعية العلماء المسلمين في القضية الجزائرية، فجعلها موضوعاً لأطروحته في الماجستير، فرحل إلى الجزائر أكثر من مرة لجمع المعلومات التي تعينه على إنجاز الرسالة، وقابل عدداً من رجال الجمعية الذين ساهموا في إدارتها ونشاطها، وأشار إلى رحلاته العلمية بتواريخها محدّداً استفادته من كل رحلة، وهي أربع رحلات، وكانت الأولى في شهر شوال من عام 1403هـ (يوليو 1983م).
أما الرحلة الثانية فكانت في شهر صفر من عام 1404هـ (نوفمبر 1983م)، ودامت عشرين يوماً، وأجرى مطبقاني خلالها مقابلات مع عدد من العلماء، وحصل منهم على معلومات قيّمة، كما زار مديرية الوثائق في قسنطينة، في حين كانت الرحلة الثالثة في شهر جمادى الآخرة 1404هـ (مارس 1984م)، وجاءت الرحلة الرابعة في شهر جمادى الآخرة 1405هـ (مارس 1985م) بعد الانتهاء من مسودة البحث، وسعياً وراء البحث عن إجابة بعض (التساؤلات التي برزت أثناء الكتابة، وللاطلاع على آخر ما كُتب عن تاريخ الجزائر بصفة عامة والجمعية بصفة خاصة).
وحين حصل مطبقاني على الدرجة أعد الرسالة للطباعة عام 1408هـ/1988م، وكتب مقدمة أشار فيها إلى أنه زار الجزائر سبع مرات، وفي كل زيارة يزداد حباً وتعلقاً بهذا البلد.
أما الأستاذ محمد الجلواح فقد زار الجزائر أكثر من مرة، ومعظمها زيارات رسمية، يقول في مقالة له عنوانها (الجزائر)، نشرها عام 1435هـ/2014م في جريدة اليوم: (عدت من الجزائر الشقيقة قبل شهرين من الآن، وحين تُذكَر الجزائر نتذكر زعيمها المعروف (هَوّاري بومِدين)، وحين تُذكَر الجزائر يأتي في سياق المعلومات عنها الأمير عبدالقادر الحسني الجزائري وكفاحه ضد مستعمري بلاده، ونتذكر كذلك الشيخ عبدالحميد بن باديس.. وغيرهما من رموز الجزائر. تبدأ الحياة في الجزائر صيفاً وشتاء بين السادسة والسابعة صباحاً، وتنتهي عند السابعة مساء، وبعد هذا الوقت قد يصعب عليك التجول. ونتعرف على بعض المدن الجزائرية من خلال الاستطلاعات الصحفية المصورة التي كانت ترصدها مجلة (العربي) الكويتية في أعداد مختلفة من سنوات السبعينات الميلادية المنصرمة، كاستطلاع مدينة (عنّابة)، و(وهران) و(الجزائر العاصمة) و(قسنطينة)).
ونتوقف عند الكاتب هزّاع بن عيد الشمّري الذي زار الجزائر في عام 1427هـ/2006م لحضور مؤتمر علمي، فكتب عن الرحلة مقالة عنوانها (أحد عشر يوماً في الجزائر) نشرها في مجلة الفيصل.
يقول الشمري في مستهل المقال كاشفاً سبب الزيارة: (بدعوة سخية من الجمعية الخلدونية للدراسات التاريخية، للمشاركة في الملتقى الدولي عن عقبة بن نافع الفهري (رضي الله عنه) المنعقد في الجمعية من 20 إلى 22 ذي القعدة 1427هـ الموافق 11 إلى 13 ديسمبر 2006م بمدينة بسكرة الواقعة جنوب العاصمة بنحو 430 كم، هبطت الطائرة بنا في مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية).
ثم استرسل الشمّري في وصف مشاهداته من العاصمة حتى الوصول إلى مدينة بسكرة، إذ قال: (بعد طيران استمر أكثر من ساعة حطت الطائرة بركابها بمطار وادي سوف، وهي بلدة متوسطة الحجم في وسط الرمال على بعد 200 كم جنوب بسكرة).
وأشار الشمري إلى القرى والبلدان بين وادي سوف وبسكرة فقال: (مررنا في طريقنا على بليدات وقرى كثيرة مثل: الحمراية، وتبعد عن سوف نحو 90 كم، ثم نستطيل نحو 30 كم عن الحمراية، وهما بلدتان، ثم إلى بسكرة عاصمة التمور في الجزائر، ثم إلى الفندق (الزيبان) الذي كان المكان المعد للضيوف، وفيه وجدنا أعضاء الجمعية في استقبالنا والترحيب بنا).
وخرج الشمّري ورفاقه بأجمل الانطباعات في ختام الزيارة عن الجزائر ورجالها وطبيعتها ومعالمها، فكتب في ختام مقاله يقول: (غادرنا الجزائر بعد أن غرست فينا الانطباعات والناس حبها والشوق والحنين إليها، وكانت الأحد عشر يوماً التي قضيناها ببلد الجزائر متعة أيّما متعة).
وبعد، فهذه انطباعات بعض الرحّالة السعوديين الذين زاروا الجزائر في تواريخ مختلفة، وكانت أهداف الرحلة تتفاوت بين عمل يمتد سنوات، كما هو حال من كُلّف بالتدريس بعد استقلال الجزائر، أو عمل ملحقاً ثقافياً؛ وبين من زارها لمهمة علمية وسياحية في أيام محدودة. وكانت الانطباعات في الجملة تستدعي بالضرورة كفاح الشعب الجزائري ونضاله ضد المستعمر الفرنسي، كما أشاد زوار الجزائر من السعوديين بالطبيعة الخلّابة، ووصفوا بعض المدن والقرى التي شاهدوها أو أقاموا فيها.

ذو صلة