مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

حيرة النهاية وقراءة القراءة

ليس من السهولة أن تضيع وقتاً في قراءة ما لا يهدف إلى معنى أو مقصد، ولكن حسب فلسفة السباحة في الماء الصافي وشبه الدافئ تعد نوعاً من التعري لأرواحنا وما تخبئه قلوبنا وتعطينا مساحة برؤية مخالفة عن ذلك.
والرؤية وكثرة المواقف وقداسة الحرف والكلمة وما تحتويه من بناء حقيقي يتضمن جوهراً لا يمكن اكتشافه إن لم تكن الرؤية الصادقة هي التي تحمل الحقيقة وتعكس نوايا الشخصية الباطنة.
نعم تلك المياه المالحة وما بها من قوائم مختلفة بما تحتويه من شوائب تبغى شطارة الغوص والعوم فيها تُبعدنا عن الوجع والألم الذي يحيط بجروحنا وإن كان بعضها عميقاً، فالمهارة فيهما تحمينا من الخطر مهما كانت البحار عميقة وخطيرة ومالحة حد الملوحة.
قراءة اللوحة أو الصورة فلسفة تعبر أحياناً عن صمت داكن حد الظلام وإن كان الهذيان يكبر ويهتز كزلزال، لكنه في المرحلة الأخيرة سوف يهدأ ويخلف حطاماً وإن تأخر شروق الشمس وقت الشتاء.
مدى صعوبة وسهولة الطرح لا يكمن فقط في آلية تكنيك السؤال والتفنن في صياغته مهما كان مجاله وفحوى محتواه، وازدياد حجم الحيرة ليس فقط في مدى عمقها ورمزيتها بقدر ما تكون في تشتت إجابة هذا السؤال أو تحليل تلك الرمزية وتفكيكها لأن المسافات تطول وتقصر معاً وربما الفوهة تزداد اتساعاً وتتعدد الفتحات ويصعب تميزها ويدور الإنسان في حيرة كدوران الرحى، وعليه تتعقد وتتعمق البساطة ولا يمكن التمييز بين صغر المكان واتساع حجمه، وتتفلسف حقيقة ازدياد ماهية الأشياء وإن تظاهرت العلاقات بين وطيدة وسواها، وقد لا يبالغ أي إنسان في لملمة المتناثر وإعادة صياغة وترتيب متفرقات الإجابة وإن خلت من محتواها الحقيقي.
هنا لا فرق بين الإحساس ودفء المشاعر وإن كانت كانصهار الثلج حينما يتعرض لبضع حرارة، ولكن حينما تتجاذب القطع وتتشكل لتكون نسيجاً يعطي جمالاً في تفاصيله الداخلية غير المضيئة ويبرز خلافه فيما لا تراه أشعة الشمس، وتباعد الحكايات أو تقاربها يبقى له نهاية وإن اختلفت النهاية إلى عدمها، ونهاية الطفولة واكتمال النضج حقيقة لا مفر منها واكتمال حلقات العقد ليس كالنضج في النمو وإن كان للقدر كلام آخر ستكون نهاية بهذا اللون المضيء أو ذلك اللون القاتم.
لا يُقيد الفكر، ولا يحاط إطاره بسياج بل يكون مفتوحاً لتتوسع الحفرة ويكبر الجسد ليعطي مساحة بوسع السماء، التي لا نهاية لها وإن افترضنا أن لها نهاية فهي تعطي مجموعة من التساؤلات، ومن وجهة نظر لا تقزم بقدر ما تعطي منارات تضيء الدرب وتجمع الصوت وتفجر الصمت وتكسر حلقاته وتنقيه من الشوائب وتبعد عنه سلطة السلطة وإن تعدد رقمها ثالثة أو رابعة أو حتى تدرجت ووصلت إلى العشرين، فالمنجز جواز عبور يخترق كل سياجات الحدود بين أرض وأرض، وبين فضاء وآخر.
وليس بالضرورة أن المرايا تعكس الصورة إلى أخرى بمقاييس دقيقة وبمعادلات محسوبة بدرجة إحساس شخص مقارنة بآخر، بل هي رؤية عُبر عنها بأنها دقيقة وهي ليست هكذا، فالانفعالات مقياس نبض نعيشه معاً في عالم مليء بالمتغيرات الطارئة والنبش فيه تخفيف في الباطن من الأعماق، وتبقى الحجارة الكبيرة حجماً وثقلاً أكبر تأثيراً من غيرها وإن تغيرت الفلسفات بين سواد الليل وبياض النهار، والثرثرة جمال في بعض درجاتها وألوانها وإن قل عمق دلالاتها وفلسفة مضمونها.
لا يخفى أن المعرفة تتدرج في سلالم تتفاوت أطوالها مهما اصطدمت مع الرؤية المباشرة بالصوت والصورة والفتات المتناثر من الصمت والسكون.
كم تشكل الصورة من فلسفة للشخصية، لكنها حتماً ليست ذات دقة متناهية، وغير معبرة حقيقة في الإبداع والفكر في كثير من المواقف، ولا يكون بعيداً أن الخجل نتيجة الثرثرة ليس خجلاً حقيقياً!
وتبقى القراءة في ذات المنجز لا ضياع فيها أياً كانت لغته وفلسفته ومدى عمقه وشكله، وإن بهت لونه ولم تكتمل خطوط ملامح الصورة فيه يبقى ذا قيمة.

ذو صلة