مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

رسائلي دائماً لا تصل

كتبت وفي عينيها بريق من حُزنٍ خفيّ، تقرؤها علي وكأن الحياة فعلاً اختبرتها فيمن تُحب:
(إلى شخص ما..
لا تفصلني عنه مسافات شاسعة، ولا تحول بيني وبينه أزمنة مختلفة، يرافقني في الطرقات، ويرتاد المكان الذي أعبره مروراً دون اكتراث. يشاركني امتداد الشارع، ونتقاطع دائماً بدائرة علاقات متصلة وأشخاص مشتركين.
تحت سماء واحدة نرقب الغيمة ذاتها كل صباح، ونترقب زاوية القمر لنتقاسم صورها مساءً.
فوق الأرض نفسها، تجمعنا الصدف حيناً، ونفتعلها حيناً آخر.
أترقبه، ولا تردّني عن محادثته سوى لحظة أذكر فيها اسمه، فأسمع صوته، أو أراسله.
ويجيبني بعدها بحواره اللذيذ وأحاديثه المُنمقة، تلك التي تأبى جوارحي إلا أن تُنصت لها وتُقبل عليها.
ما إن يحضر حتى تُذعن له الحواس رغبةً وحباً وشوقاً، وما أن أرى منظراً ساحراً حتى أستذكره، وما إن يهبني الله لحظة فرح وسعادة أحتفظ بها حتى أستبشر بحديثي معه لأشاركه.
أمقت أموراً جليّة، وإن يكن له عليها سبيل؛ تهون بعيني، فأكرر أمراً واحداً، هي العادة ما أكره، لكن ابتلاني الله بها فيمن أحب.
أيا رجلاً يسقط بوجوده كل الرجال، أحببت فيه كل ما بدر منه، كل ما وقعت عيناي عليه، وكل ما أدركت أذناي من استشهاداته.
أراهن عليه، وأدرك جيداً أن لا ملامة على قلبي فيه.
يا من تجاورني برفقته كل معاني السرور والسّعة، وتزهر في قلبي بساتين شاسعة من الوَرد والودّ.
حين تميل بي الحياة أغض الطّرف عنها، مُدركة بأنها أهدتني سنداً لا يميل وإن مالت، أهدتني من لا يحول بيني وبينه سوى ندائي له حتى أجده على أهبة الاستعداد مُلبياً.
رغماً عن كل ما قلت، أجدني عاجزة عن قربه ودائماً متلهفة للقائه، وإلا ما حاجتي لأكتب كل ما كتبت! إلا أن رسائلي دائماً لا تصل كما يجب.
كثيراً ما باغت أحلامي أثناء نومي، وداهم أفكاراً سرت في مخيلتي.
كمن يهيم في فضاء واسع لا يُدرك آخره، أغرته تفاصيل الطريق، بل أنسته لذّة السير ومتعته غاية الوصول.
كل السّبُل توصلني إليه وحسب، وكل من تسقط عيناي عليه لا يحرك بي شعرة سوى كونه إنساناً يجب أن أتخطاه بالطريق حتى أعبر إلى أي وجهة تدلني عليه.
مع كل زخة مطر وموعد لاستجابة الدعاء؛ أترقب سائلة المولى ألا أكون ذنباً له يقطع أسباب الخير والرزق وموجبات الرحمة.
تراودني المخاوف، وإن تيقنت أن بين ذراعيه أمان الدنيا ومن فيها؛ ليس منه، بل مما تسير به الظروف رغماً عن إرادتنا، كلما تقدمت عُمراً وكبرت شهراً.
أخشى تلك اللحظة التي تقف بيني وبينه الموانع أكثر فأكثر.
بقدر ما أريده أخشى فقده.
أعجز عن التعبير عما بداخلي، بل أمتنع؛ مراعاة لجمال اللحظة، وأوج الشعور لئلا ينقطع وينتهي.
يفصلني عنه ميثاق غليظ، يصوننا ليربطنا معاً، يحلّ لي بعده ويُحلني له.
دائماً ما أتجاهل كل شيء متقصدة، ولكني على يقين أن بعض الحكايا نتركها ليتولى من أمامنا زمام المبادرة والمحاولة والطلب.
وإن سعينا في كل شيء وخططنا ليسير كل أمر على ما نحب ونهوى؛ يظل هناك جانب خفي، لا يدَ لك فيه، ولا سلطة عليك به، وإن تخبطت وابتعدت.
أنا متيقنة بأني لا أرى من يستحق حجم هذا الشعور سواه.
وإن حُرمت منه فيكفيني أني وهَبت الحُب لذات تستحق.
مُتيقنة أني أمقت بُعده وابتعاده، وأن الكون برحابته واتساعه يضيق حين أفتقده.
أمر واحد فقط هو جُل ما أخشاه على هذه الأرض، أن أهون عليه أو أهون بعينه.
اجعله لي يارب نصراً وقوّة وتمكيناً، ولا تُريني فيه ما يُضعفني ويكسرني ويشقيني.
وإن استحالت بيننا سُبل الوصال، هب لنا طريقاً من عندك يرضيك عنا ويرضينا).
***
أجبتها:
آمين، لكل ما بقلبك من ابتهالات ودعاء.
لكن ضعي نصب عينيك أمراً واحداً فقط، بأنك دعوت دعاء المضطر، والحب حقيقةً لا يجعلك تتوهين بذات الدائرة الضيقة وانعدام الخيارات.
وفي حينٍ ما، قد لا يكون الشعور سبباً كافياً للبقاء.
يحدث أن نحملهم معنا دون علمهم، ونقفز بمسارات مختلفة لا نجدهم فيها قطعاً.
حتى وإن لم يستوطن ذاك القلب سواهم ولا نزال نحبهم.
فقط افعلي ما تخشين منه، ففي بعض التخلي حياة.

ذو صلة