مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

من الداخل (INSIDE) تموت القطط.. وتتلاشى الموسيقى.. ولكن الفن يبقى

(تموت القطط، وتتلاشى الموسيقى، ولكن الفن يبقى)
- لقد أنقذت من إبداعاتك ثلاث لوحات من الدمار وعشت في مكانك هذا لفترة قصيرة والذي كان بالنسبة لك منزلاً، وأما بالنسبة لي كان قفصاً.
- أنا آسف إذا قمت بتدميره، ولكن ربما كان لابد من تدميره.
عند مشاهدة العبارة التي دونها الممثل ويليم دافو جين على الحائط قبل أن يغادر المكان الذي شهد حالة من الفوضى نتيجة المحاولات البائسة للخروج من هذا المنزل الذي يتحكم في كل تفاصيله نظام إلكتروني دقيق جداً، تعكس لنا المغزى الفلسفي وراء تلك القصة التي ألفها البريطاني الروائي والسيناريست والمخرج السينمائي بن هوبكنز وتحولت إلى فيلم للمخرج فاسيليس كاتسوبيس بعنوان (INSIDE)، ليضع لنا أحد لصوص الأعمال الفنية تحت ضغط نفسي رهيب بمصيدة الداخل التي يصعب الخروج منها، وكذلك مشكلة نفاذ المواد الغذائية والمشروبات باستثناء الرشاشات الموقوتة في حديقة داخلية لسقيا النباتات.
الفيلم من بطولة ويليم دافو وجين بيرفوت وإليزا ستويك، تم عرضه في مهرجان برلين السينمائي الدولي الثالث والسبعين، في 20 فبراير 2023، وكذلك في 17 مارس 2023 بالولايات المتحدة بواسطة فوكس فيوتشر.
نيمو، لص أعمال فنية، يروي قصة طفولته، حيث طلب منه مدرس أن يختار ثلاثة أشياء لإنقاذها في حريق منزل بدلاً من عائلته، اختار نيمو قطته وألبوم الصور وكتيب الرسم الخاص به. يتذكر أن القطة ماتت وأعار الألبوم إلى أحد معارفه الذي لم يرده، لكنه لا يزال لديه كراسة الرسم، قائلاً الفن يبقى للاحتفاظ.
في الوقت الحاضر، يتنكر نيمو في زي عامل صيانة، ويقتحم مبنى السقيفة الشاهقة في مانهاتن لأحد هواة جمع الأعمال الفنية الأثرياء من أجل سرقة ثلاثة أعمال الفنان النمساوي إيجون شييل (1890 - 1918)، وعند محاولته الهروب وتشغيل جهاز التحكم، يفقد الجهاز خاصية العثور على الباركود الذاتي وتغلق الشقة تماماً وتتخلى عنه جهات الاتصال وتصبح محاولاته للهروب عديمة الفائدة ويكسر منظم الحرارة فيتراوح بين الحرارة والبرودة.
كان دخول نيمو من خلال شبكة الطيور فوق فناء الشقة، مما جذب بعض طيور الحمام الذي أصبح محاصراً ويتضور جوعاً ويموت بينما يشاهده نيمو.
تتحرك المشاهد داخل المكان في صور مبهرة للديكور الحديث والإضاءات التي تتناسب مع خصوصية العروض الفنية للوحات التي تبدو باهظة الثمن رغم أنها ليست كذلك إنما أعمال مقلدة لصيحات ذات صيت مثل الرجل المثبت باللواصق، أو اللوحة الممزقة على شكل حرف (زد)، وفي أغلبها تخدم الدراما والتصوير، مما يتيح لبطل الفيلم وهو في حالة تماهي مع المكان أن يدرس فن الشقة ويبتكر أعماله الفنية ويرسم رسومات معقدة على الجدران.
يقوم بتشويه البعض منها ووضع أفكاره ورسوماته الناتجة عن الحيرة والصدمة لهذا الحبس داخل مكان يضيق به.
مع مرور الأسابيع، يجوع نيمو ويعاني من إصابات نتيجة محاولات هروبه، والتي تركز على بناء سقالة ضخمة من الأثاث للوصول إلى كوة. فيما يحرز تقدماً تدريجياً في تفكيك الإطار حول الكوة في السقيفة بالأدوات التي يصنعها من الأثاث. تتجه مشاعره إلى مدبرة منزل شابة، يطلق عليها اسم (ياسمين)، التي يطاردها عبر كاميرا مراقبة تُعرض على تلفزيون الشقة، كما تصادف وجودها أيضاً خارج الباب الأمامي في أكثر من مناسبة، لكنها لا تسمعه وهو يضرب الباب ويصرخ عليها لتفتحه، لأنها ترتدي سماعات أثناء تشغيل المكنسة الكهربائية.
يكتشف نيمو ممراً مخفياً في خزانة تؤدي إلى غرفة تحتوي على صورة شخصية لشييل وكذلك مجموعة زواج الجنة والجحيم ويكتشف معها العالم غير المرئي، وأن المنازل لا تبنى ولا تظهر بعد هذه اللحظات. ومن اللافت لمن يهتمون بالثقافة البصرية أن مؤلف الفيلم يستدعي أعمال الفنان النمساوي المتمرد وصوره، والذي يتبنى فكرة فناء الجسد كحالة مضافة إلى استحالة خروج هذا المتسلل إلى ذات الأعمال التي شغلت المكان، ويقف طويلاً أمام الصورة الفوتوغرافية التي تظهر جانباً من ركاب طائرة ما يقفون على سلم الصعود في انتظار وصول الطائرة التي لا وجود لها، وكأنها الحل الأخير للهروب للأعلى.
يأكل نيمو، اليائس الأسماك من حوض أسماك الزينة والطعام الخاص للكلاب، ويعاني في النهاية من تسوس الأسنان والهلوسة المتقطعة. أثناء إزالة البراغي من المنور، يسقط على الأرض ويكسر ساقه. يقوم ببناء جبيرة، لكن صحته وسلامة عقله تتدهوران مع تدهور الشقة بمرور الوقت.

ذو صلة