مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

المشاع الإبداعي ومبادئ المصدر المفتوح

المشاع الإبداعي (Creative Commons (CC هي منظمة أمريكية غير ربحية وشبكة دولية مكرسة للوصول إلى التعليم وتوسيع نطاق الأعمال الإبداعية المتاحة للآخرين للبناء عليها بشكل قانوني ومشاركتها. تأسست في عام 2001 وأصدرت العديد من تراخيص حقوق الطبع والنشر مجاناً للجمهور والمعروفة باسم تراخيص المشاع الإبداعي Creative Commons licenses.
تسمح هذه التراخيص لمؤلفي المصنفات الإبداعية بالإبلاغ عن الحقوق التي يحتفظون بها والحقوق التي يتنازلون عنها لصالح المتلقين أو المبدعين الآخرين. الترخيص يحمل شرحاً سهل الفهم من صفحة واحدة للحقوق، مع الرموز المرئية المرتبطة به، وتفاصيل كل ترخيص من رخصة المشاع الإبداعي.
وبينما لا يزال مالكو المحتوى يحتفظون بحقوق الطبع والنشر الخاصة بهم، لكن تراخيص المشاع الإبداعي تمنح إصدارات قياسية تحل محل المفاوضات الفردية للحصول على حقوق محددة بين مالك حقوق الطبع والنشر (المرخص) والمرخص له، والتي تكون ضرورية بموجب إدارة حقوق الطبع والنشر (جميع الحقوق محفوظة).
كانت منظمة المشاع الإبداعي من أوائل المشاركين في حركة الحقوق المهملة أو المتروكة Copyleft movement، التي تسعى إلى توفير حلول بديلة لحقوق الطبع والنشر. يعود الفضل إلى المشاع الإبداعي في المساهمة في إعادة التفكير في دور (المشاعات) في (عصر المعلومات) حيث تساعد أطرها الأفراد والجماعات على توزيع المحتوى بحرية أكبر، مع الاستمرار في حماية أنفسهم وحقوق الملكية الفكرية الخاصة بهم بشكل قانوني.
وفقاً لمؤسسها لورانس ليسيج Lawrence Lessig، فإن هدف المشاع الإبداعي هو مواجهة ثقافة الإذن السائدة والمقيدة بشكل متزايد والتي تحد من الإبداع الفني للمبدعين الحاليين أو الأقوياء. يؤكد ليسيج أن الثقافة الحديثة يهيمن عليها موزعو المحتوى التقليديون من أجل الحفاظ على احتكاراتهم للمنتجات الثقافية مثل الموسيقى الشعبية والسينما الشعبية، بينما يمكن للمشاع الإبداعي أن يوفر بدائل لهذه القيود.
أما مصطلح المصدر المفتوح Open source فهو أي شيء متاح للعامة أو المتخصصين يمكن لنا ولهم العمل على تعديله ومشاركته لأن تصميمه متاح للجمهور. وقد نشأ المصطلح في سياق تطوير البرمجيات لبناء نهج محدد لصناعة وتطوير برامج الكمبيوتر. مع ذلك، فإن (المصدر المفتوح) يشير اليوم إلى مجموعة أوسع من القيم - التي يمكن أن نسميها طريقة المصدر المفتوح The open source way ، حيث يتم تبني المشاريع أو المنتجات أو المبادرات مفتوحة المصدر، وحركة التبادل المفتوح والمشاركة التعاونية.
المصدر المفتوح لا يقف عند هذه المعاني لدى البعض، بل يتحول إلى مبدأ وموقف. هذا الموقف يتجلى في تفسير التعامل مع جميع جوانب الحياة والتعبير عن الرغبة في المشاركة، والتعاون مع الآخرين بطرق شفافة.
وبحكم تخصصي في الإعلام الرقمي، أميل للحديث في هذا السياق عن صحافة المصدر المفتوح Open source journalism. هذا النوع من الصحافة تتكون مادته من قبل القراء وهي الفكرة التي تجسدها المنتديات. وقد نشر أندرو ليونارد Andrew Leonard فكرته في مقال له في 1999 على موقعه Salon.com على خلفية استخدام الكاتب جون انغلز ردود وتعليقات القراء على مقال عن الإرهاب السيبراني نشره في موقع سلاشدوت ثم أعاد نشره في مجلة جينز إنتلجينس ريفيو Jane's Intelligence Review معتمداً على تعليقات القراء وقام بمنحهم حقوقاً مادية.
هذا التعبير والممارسة يعكسان ممارسة موجودة في أجهزة الاستخبارات العسكرية يطلق عليها Open source intelligence ولكن التعبير نفسه يأخذ مصدره من شفرات البرامج مفتوحة المصدر Source Code أو البرامج الحرة Free Software التي توضع في الإنترنت للسماح لأي شخص بكشف مكامن الضعف والأخطاء فيها وتصحيحها أو إضافة وظائف جديدة لها.
التعبير يستخدم أيضاً لوصف طيف واسع من منشورات الإنترنت خاصة تلك التي تتبدى فيها مظاهر المشاركة من الجمهور مثل الويكي بتطبيقاتها المختلفة. وعلى أية حال تتمظهر مبادئ حقوق الملكية الفكرية في شكلها الكلاسيكي وبكل أدبياتها القانونية.
حركة الثقافة الحرة
يعود بنا ما تحدثنا عنه أعلاه إلى حركة الثقافة الحرة Free-culture movement، وهي حركة اجتماعية عملت على تعزيز حرية نشر وتعديل الأعمال الإبداعية للآخرين في شكل محتوى حر أو محتوى مفتوح، دون تعويض أو موافقة المبدعين الأصليين للعمل.
تعترض هذه الحركة على كل ما تعتبره قوانين لحقوق الطبع والنشر تكون شديدة التقييد. يجادل العديد من أعضائها بأن مثل هذه القوانين تعيق الإبداع. يسمون هذا النظام (ثقافة الإذن).
في أواخر الستينات أسس ستيوارت براند ما أطلق عليه كتالوج الأرض الكاملة Whole Earth Catalog وجادل بأن التكنولوجيا يمكن أن تحرر بدلاً من القمع. في عام 1984 صاغ براند شعار (المعلومات تريد أن تكون حرة Information wants to be free) وذلك ضد تقييد الوصول إلى المعلومات من خلال السيطرة الحكومية، ما يغلق المجال العام للمعلومات.
في عام 1998، أقر الكونغرس الأمريكي قانون تمديد مدة حقوق الطبع والنشر لسوني بونو Sonny Bono Copyright Term Extension Act، الذي وقعه الرئيس الأسبق بل كلينتون ليصبح قانوناً. وقد مدد التشريع حماية حقوق الطبع والنشر لمدة عشرين عاماً إضافية، مما أدى إلى إجمالي مدة حقوق الطبع والنشر المضمونة لمدة سبعين عاماً بعد وفاة المبدع. تم الضغط على مشروع القانون بشدة من قبل شركات الموسيقى والأفلام مثل ديزني، وأطلق عليه اسم قانون حماية ميكي ماوس Mickey Mouse Protection Act.
ويدعي لورانس ليسيج أن حقوق الطبع والنشر تشكل عقبة أمام الإنتاج الثقافي وتبادل المعرفة والابتكار التكنولوجي، وأن المصالح الخاصة -على عكس الصالح العام- تحدد القانون. سافر ليسيج عبر الولايات المتحدة في عام 1998، وألقى ما يصل إلى مئة خطاب سنوياً في حرم الجامعات، وأشعل الحركة. أدى ذلك إلى تأسيس الفصل الأول من (طلاب من أجل الثقافة الحرة) في كلية سوارثمور.
في عام 1999، طعن ليسيج في قانون بونو، ورفع قضية إلى المحكمة العليا الأمريكية. وعلى الرغم من إيمانه الراسخ بالنصر، مستشهداً بلغة الدستور الواضحة حول شروط حقوق النشر (المحدودة)، حصل ليسيج على صوتين معارضين فقط: من القاضيين ستيفن براير وجون بول ستيفنز.

ذو صلة