مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

الملكية الفكرية كأداة للتنمية المستدامة

-1 ورد في كتاب الموتى، وهو ما يُعتقد أنه كتاب سماوي وقد ورد ذكره في القرآن الكريم تحت مسمى (صحف إدريس) من ثلاثين صفحة، وفيها صيغة القسم المطلوب من المتوفى عند البعث أمام رئيس محكمة الموتى (أوزيريس)، إله البعث والحساب، ابن إله الأرض (جب) وآلهة السماء (توت) ووالد (حورس)، وهو قسم يبدأ بالتوكيد على أنه لم يقتل، ولم يسرق، ولم يزن.. ولم يختلس أقوال غيره.
-2 أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي (دورة الكويت) قراراً بشأن الحقوق المعنوية في الدورة الخامسة لمؤتمره 1 - 6 من جمادى الأولى عام 1409هـ الموافق 10 - 15 من كانون الأول/ ديسمبر عام 1988، مؤكداً مشروعية حماية حقوق الملكية الفكرية بوجه عام، فورد في القرار ما يلي:
(1) الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية والتأليف والاختراع والاِبْتِكَار هي حقوق خاصة لأصحابها أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لقول الناس لها، وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً فلا يجوز الاعتداء عليها.
(2) يجوز في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الضرر والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقاً مالياً.
(3) حقوق التأليف والاختراع أو الاِبْتِكَار مصونة شرعاً، ولأصحابها حق فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها. وفي فتوى الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين بالمملكة العربية السعودية، رداً على سؤال وجه إليه في مجال برامج الحاسب، صدرت فتوى مماثلة:

السؤال: (بعض محلات الكمبيوتر تشتري بعض البرامج النافعة ثم تقوم بنسخها نسخاً كثيرة وبيعها للناس مما يضر بالمنتج لتملك البرامج حيث يقومون ببيعه بسعر أقل من سعر النسخة الأصلية. مثال: برنامج قيمته 480 ريالاً يباع في السوق منسوخاً بـ 70 أو 80 ريالاً لكل نسخة؟)
هل يجوز لي شراء تلك النسخ المنسوخة أو الاتجار فيها بحيث أشتري نسخة أصلية وأنسخها عدة نسخ وأبيعها بسعر أقل؟
أفتونا مأجورين؟.. عليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
الجواب: (أرى أن لا نغفل ذلك حيث إن هذا يقلل من الإنتاج الأصلي فإن أولئك قد تعبوا عليها وصرفوا في نسخها زماناً وأموالاً وكلفتهم، فهم أولى ببيعها بالثمن المناسب، فمتى نسخها غيرهم وباعها برخص كسدت سلعهم وتوقفوا عن مثل هذا العمل الذي فيه منفعة وفائدة تعود على المجتمع بالخير والصلاح.. والله الموفق).
(قاله عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عضو الإفتاء وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم 13/11/1417 هـ).
-3 وقد أفتت لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف في مناسبتين -بناءً على طلب مؤلف هذه الدراسة- بمثل ذلك:
أ - ففي فتواها في 20 من أبريل/ نيسان سنة 2000 أكدت أن:
(الدين الإسلامي يعطى المالك حرية في ملكه كيفما يشاء ولا يجوز لغيره أي تصرف أو النسخ أو التمتع أو الاستخدام أو انتساب هذه الأشياء له إلا بإذن المالك ورضاه سواء بعوض أو غيره) الشيخ محمد محيي الدين محمد الجمالة.
ب - وفي فتواها في 16 من أغسطس/ آب سنة 2001 أكدت: (ما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي ومن دار الإفتاء بالسعودية من فتوى تحرم الاعتداء على برامج الحاسب باعتبارها مالاً مقوماً في شريعة الإسلام هي فتوى شرعية صحيحة ومتوافقة مع رأي لجنة الفتوى بالأزهر الشريف)، والله أعلم (صورة طبق الأصل).
- وتتمثل حقوق الملْكيّة الفكريّة أو الحقوق الذهنية، الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية، وتنقسم إلى طائفتين أو نوعين: حقوق ناشئة عن الملكية الصناعية، وأخرى ناشئة عن الملكية الأدبية والفنية، وتغطي في الأصل الفنون السبعة وهي العمارة، والرسم، والنحت، والموسيقى، والشعر، والرقص والسينما، وهما نتاج لـ(العقل). هذا المولد الكهربائي للأفكار. ويكفل المشرع حماية مدنية وجنائية لهذه الحقوق جميعاً. ونلاحظ أننا لسنا بصدد الحديث عن حق ملكية، بل عن حق عيني أصلي يستقل عن حق الملكية بمقوماته الخاصة التي ترجع إلى كونه يقع على شيء غير مادي.
-4 ويغلب الخلط بين الحقوق الإيجابية والحقوق السلبية، فالحق الإيجابي يخول صاحبه أن يستأثر باستخدام إبداعه، وهذا هو الحال بالنسبة لحقوق المؤلف والعلامات، أما الحق السلبي فلا يخول المخاطب به سوى حق في منع الغير من استعمال إبداعه، وهذا هو الحال بالنسبة للمخترع حيث تمنحه البراءة حقاً سلبياً. مع ذلك، يثور الخلط بين الحق السلبي والحق الإيجابي في العمل رغم أن الحق السلبي ما وجد إلا ليمنح المخاطب به حق منع الاستغلال التجاري وليس البحث العلمي أو الاستخدام غير الربحي، وفي هذا ما فيه من فائدة للبلدان الساعية إلى تنمية مستدامة قوامها حماية الحقوق المتصلة بالملكية الفكرية.
-5 في المقابل، تنامى الاتجاه إلى حماية ما يسمى بـ(المعارف المأثورة)، وليس التقليدية لما تدل عليه هذه الكلمة لدى العامة من (جمود) بالمعنى السلبي، وهي معارف متواترة لها دلالة لدى المتلقي في المحيط الذي يعيش فيه، وأصبحت جزءاً من منظومة أكبر جديرة بالحماية وهي (المأثور الشعبي) و(الموارد الجينية). وجدير بالذكر أن مصطلح Indegenous Knoweldge أي معارف سكان أُصَلاء أو أوَّلون وأوائلُ، هو أقل شأناً لأنه يتسم بـ(الإقليمية)، حيث ينصرف إلى إقليم بعينه بسكانه الأول مثل معارف الهنود الحمر.
-6 وتجدر الإشارة إلى أن (الرقابة الحكومية) على (المصنفات) لا علاقة لها بـ(الحماية)، فتستقل الحكومات بتقرير ما ينشر وما لا ينشر، دون أن ينال ذلك من مبدأ الحماية، ضرباً من ضروب المستحيل!
-7 تعرف حقوق الملكية الصناعية بأنها الحقوق التي تهدف إلى أن توفر لرجل الصناعة، بالمفهوم الواسع الذي يشمل، في مفهوم اتِّفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية التجارة والصناعات الصناعية والاستخراجية وعلى جميع المنتجات المصنعة أو الطبيعية مثل: الأنبذة، والحبوب، وأوراق التبغ، والفواكه، والمواشي، والمعادن، والمياه المعدنية، والبيرة والدقيق (المادة 1/3 من اتِّفاقية باريس).
وتجد هذه الحقوق تطبيقات لها في مجال براءة الاختراع، والرسم، والنموذج الصناعي، والعلامة، والاسم التجاري، والعنوان التجاري (أو التسمية التجارية)، والبيانات التجارية، والمعلومات غير المفصح عنها، والأصناف النباتية، والتصميمات التخطيطية للدوائر المتكاملة، والمؤشرات الجغرافية، وأسماء الدومين وأخيراً المنافسة غير المشروعة.
-8 تعرف حقوق الملكية الأدبية والفنية بأنها حقوق المؤلف (Droits d'Auteur Author's rights) أو ((Copyright، والحقوق المجاورة Droits Voisins)) أو Neighboring Rights))، أو الحقوق المرتبطة Related Rights))، باعتبار أن المحذوف، وهو حق المؤلف، معلوم، فهي حقوق مرتبطة بحق مؤلف.
ويحمي القانون المصنفات أياً كان نوعها أو أهميتها أو شكلها أو الغرض منها، والشرط الوحيد المستلزم في هذا الشأن هو الاِبْتِكَار، فيجب أن يكون للمصنف طابع اِبْتِكَاري حتى يحميه القانون. يمكن تعريف الاِبْتِكَار بأنه الطابع الإبداعي الذي يسبغ الأصالة على المصنف، وهو الطابع الذي يسمح بتمييز المصنف عن سواه من المصنفات المنتمية لنفس النوع، فيشي الاِبْتِكَار بـ(الجهد الذهني الذي استجمع فيه (المؤلف) عصارة فكره ولون عبقريته وخلاصة تجاربه ومشاهداته)، أو هو، بإيجاز، (دفقة خيال).
-9 وقد نشأت مجاورة في مجال الملكية الفكرية، منها ما يتصل بالملكية الصناعية-وهي تتعلق بعدة مجالات منها الإشارات المميزة (Signes Distinctive)، وأسماء الدومين (Nom de Domaine) والاسم العائلي (Nom Patronymique) ومنها ما يتعلق بحقوق مجاورة نشأت في مجال الملكية الأدبية والفنية بدأت بحقوق فناني الأداء، ومنتجي التسجيلات السمعية والسمعية البصرية وهيئات البث الإذاعي، ثم لحق بها بـ(قانون) حق وحيد قنن لصالح منظمي الاحتفالات الرياضية (Spectacle Sportifs) والحقوق على الصورة الجماعية للفريق الرياضي (فرضت بقانون في فرنسا عام 2004م ثم أُلغيت عام 2009م)، ثم بـ(عقد) حق الجولات المسرحية (Tournage du Thêatre) حيث يسمح للفرقة بمنح حق الجولات المسرحية لمتعهد يضطلع بالتعاقد عليها، والحق على صورة الشخص (Droit à l'image de personne)، والحق في الشهرة (Notoriété) كفرع من فروع الحقوق على الشخصية (Droit de la personalité) وهو حق نظمه القضاء. مُفاد ذلك، أن مصادر إضافة الحقوق المجاورة في مجال الملكية الأدبية والفنية بدأت بالقانون مروراً بالعقد وأحكام القضاء، وأساسها جميعاً حماية استثمارات مالية، وما يعيب هذه الحقوق المجاورة أنها غير محددة بمدة زمنية بعينها، وهو ما يقتضي تنظيمها قانوناً بصورة أكثر تفصيلاً، إما بقانون الملكية الفكرية وإما بالقانون المدني.
-10 يحمي القانون حقوق مجاورة لثلاث طوائف وهي: فنانو الأداء ومنتجو التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة، وهي حقوق مجاورة حيث لا يتصور وجودها مع غياب المؤلف.
-11 ومن منظور عربي، تتمتع كل الدول العربية بقوانين حمائية للملكية الفكرية، وجُلها منضم إلى الاتفاقيات الدولية الرئيسة في شأنها، وما يغيب عن الساحة هو التنفيذ الصارم لحقوق الملكية الفكرية.
-12 في ضوء ما تقدم كانت المملكة العربية السعودية في الطليعة من حيث التمكين لتنفيذ متكامل لكل عناصر الملكية الفكرية، حيث وضعت في 28 من جمادى الأولى عام 1444هـ، الموافق 22 من ديسمبر عام 2022)، أطلق ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الإستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، التي تعد إحدى ممكنات تحقيق مستهدفات رؤية المملكة عام 2030. ويعد تبنيها لبنة في صرح عطاء متجدد لحفز التنمية المستدامة بما يعود بالرفاه على المبدعين.

ذو صلة