مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

لماذا الملكية الفكرية؟

تتسارع الدول العالمية في المنافسة على احتلال المراكز العالية في الملكية الفكرية على مستوى العالم، بهدف الإشارة إلى الزخم الاقتصادي والبحثي والتطويري والاستثماري الداخلي والدولي الذي تشهده تلك الدول ومستوى حماية تلك الاستثمارات والاقتصادات.



وهناك مؤشرات دولية متعددة تقيس هذه الاتجاهات ومن أهمها مؤشر الابتكار العالمي Global Innovation Index ولعلنا في مقالات لاحقة نفصل في هذه المؤشرات.
وتشير بيانات المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO إلى زيادة عالية في إيداعات طلبات الملكية الفكرية حول العالم (الشكل1). وتتربع الصين في أعلى تلك الدول، مما يعكس مدى الهيمنة الصينية على الاقتصاد والاستثمار العالمي في الملكية الفكرية (الشكل 2).



وتتربع شركة HUAWEI الصينية على أعلى الشركات إيداعاً للطلبات الدولية PCT (الشكل3).



بهذه المقدمة المبسطة أحببت أن أشد انتباه القارئ الكريم إلى أهمية الملكية الفكرية وبالتالي فهمها وفهم مقاصدها وأهميتها وطرح الاستفسار لماذا الملكية الفكرية هي من اهتمامات المملكة العربية السعودية.
في البداية لابد من تعريف مبسط للملكية الفكرية، وهناك عدة تعاريف لها ولكن للتبسيط نقول إنها هي: (مجموعة من الحقوق التي تحمي نتاج العقل والفكر والإبداع البشري).
ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين: ملكية صناعية، وهي براءات الاختراع والعلامات التجارية والأصناف النباتية والأسرار التجارية والدارات المتكاملة والنماذج الصناعية والمؤشرات الجغرافية ونماذج المنفعة. والقسم الآخر من الملكية الفكرية هي الملكية الأدبية أو ما يسمى بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة. ولعلنا في مقالات قادمة نعرج على توضيح أكبر لهذه التخصصات وأهميتها.
والمملكة، كما هي الدول التي تتطلع إلى التقدم والمعرفة والنهوض الاقتصادي، أبدت أهمية حمايتها وإقرار الأنظمة واللوائح التي تنظم أعمالها داخل المملكة حيث صدر أول نظام ملكية فكرية في 28 / 7 / 1358هـ باسم نظام العلامات الفارقة (ما يسمى حالياً العلامات التجارية) تبعتها العديد من التغيرات على الصعيد الوطني والدولي، حيث انضمت المملكة في 2/7/1402هـ إلى عضوية المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO ومن ثم بدأ الحراك لتطوير وبناء أنظمة الملكية الفكرية وخدماتها والانضمام إلى أهم الاتفاقيات الدولية. وكانت تخصصات الملكية الفكرية مقسمة بين عدة جهات اختصاص هي: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ووزارة الإعلام، ووزارة التجارة. ومع انطلاق رؤية المملكة المباركة، التي تهدف إلى رفع الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار العالمي، كان من مخرجاتها مبادرة إنشاء جهة مختصة تجمع جميع اختصاصات الملكية الفكرية تحت مظلة واحدة لقيادة الملكية الفكرية إلى الهدف الذي تستحقه المملكة والذي يخدم مشاريع وأهداف رؤية المملكة 2030 ، ومن هنا صدر قرار مجلس الوزراء 496 بالموافقة على تنظيم (الهيئة السعودية للملكية الفكرية).
ومع انطلاقة الهيئة السعودية للملكية الفكرية، بدأت الانطلاقة الحقيقية للملكية الفكرية بالمملكة حيث تقدم أهم الخدمات، وهي تقديم التسجيل ومنح براءات وشهادات الحماية، وفي نفس الوقت تقوم بإيقاف المتعدين والمنتهكين لهذه الحماية وبناء وتطوير الأنظمة والتشريعات التي تكفل خلق بيئة إبداعية واستثمارية في المملكة، ومن جهة أخرى تعمل على توليد وزيادة نسبة الأصول غير الملموسة في القطاعات العامة والخاصة ومراكز البحث والتطوير والجامعات، بالإضافة إلى الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية التي تخدم المصالح الوطنية.
وهنا نعود لسؤالنا القديم: لماذا الملكية الفكرية، ولماذا هذا الاهتمام بها؟
يتضح مما سبق أنه إذا لم تكن هناك بيئة تشريعية وبيئة حاضنة وحامية للملكية الفكرية كما فعلت تلك الدول في مقدمة المؤشرات الدولية وما تقوم به حالياً المملكة، فلن يكون هناك استثمار أو ابتكار أو إبداع على هيئة براءة اختراع لمنتج ذي مردود اقتصادي عال أو إبداع في فيلم هادف أو كوميدي أو أغنية أو قصيدة أو كتاب يرقى إلى ذوق المتلقي.

ذو صلة