مجلة شهرية - العدد (587)  | أغسطس 2025 م- صفر 1447 هـ

(أخو نورة) سيرة عزوة ورمز وطني خالد

في ذاكرة الأوطان، تتجسد بعض الأسماء لا كأفراد، بل كرموز تتجاوز حدود الزمن والمكان، لتُصبح علامات فارقة في وجدان الأمة. (نورة بنت عبدالرحمن) ليست فقط أخت موحد الدولة السعودية، بل هي صوت العزيمة الذي سُمع في اللحظة الفاصلة، وظل يتردد صداه عبر الأجيال. ومن هذا الامتداد الوجداني ولدت عبارة (أخو نورة)، التي تحولت إلى رمز شعبي وثقافي يختصر معاني الفخر، والقيادة، والارتباط العميق بالأسرة والهوية.
نورة في ذاكرة الموحد الملك عبدالعزيز
في بدايات الملك عبدالعزيز، حين كان شاباً طموحاً في الكويت، عُرفت نورة بأنها أكثر من مجرد أخت، كانت ناصحة، مشجعة، وصاحبة بصيرة. حين واجه الملك بعض التحديات الأولى في مسعاه لاسترداد الرياض، كانت تقول له بشجاعة: (لا تندب حظك، إن خابت الأولى والثانية بتظفر بالثالثة).
كلماتها لم تكن مجرد دعم معنوي، بل إشعالاً لنار الطموح، وإحياءً لعزيمة لا تعرف اليأس. لقد كانت نورة شعلة من الحزم والرؤية، تُجسد في مواقفها النادرة دور المرأة، حيث ساهمت، من خلف الكواليس، في توجيه المسار وتشجيع الانطلاقة.
(أنا أخو نورة).. النخوة والاعتزاز
لم يكن لقب (أخو نورة) الذي اشتهر به الملك عبدالعزيز مجرد كنية عائلية، بل كان تعبيراً صريحاً عن الفخر والانتماء. النخوة، في سياقها العربي الأصيل، تعني الاعتزاز والشجاعة والاستنفار للكرامة. وقد وظّف الملك هذا النداء في لحظات الغضب أو التحدي قائلاً: (أنا أخو نورة!)
وفي سياقات أخرى يقول: (أنا أخو الأنور المعزّي!)، إشارة إلى النسب العائلي الكريم.
لقد حمل هذا النداء دلالات عميقة، إذ جمع بين رابطة الدم، والإلهام المعنوي، والرمزية الوطنية، فجعل من نورة -المرأة- جزءاً أصيلاً من مشهد القيادة وقرارها.
الارتباط في الذاكرة الوطنية السعودية
مع مرور الزمن، لم يختفِ هذا اللقب من الذاكرة الوطنية، بل تكرّس كأحد أكثر الرموز استحضاراً في الثقافة السعودية. أصبح (أخو نورة) مرادفاً للقوة والحكمة والحضور القيادي، يتداوله السعوديون بفخر في أحاديثهم، ويرد صداه في الأغاني الوطنية، والفنون الشعبية، والبرامج التعليمية، كما يُستدعى ضمن السياقات التي تؤكد وحدة البيت السعودي وتكامل أدواره.
وقد انعكست هذه الرمزية على صورة القيادة السعودية في الذهنية الشعبية، حيث تُرى القيادة متجذّرة في عائلة واحدة، مترابطة، تتشارك الأدوار، وتنهض بمسؤوليات التأسيس والحماية والبناء.
عزوة لا تغيب
(أخو نورة) ليس مجرد نداء في لحظة حماسة، بل هو تعبير خالد عن عزوة وطنية تأسست على وحدة البيت، ومشاركة الأدوار، وقوة الروابط. نورة بنت عبدالرحمن، بحضورها الملهم، كانت عنواناً لصوت المرأة الذي لا يصيح فقط خلف الجدران، بل يدوّي في ساحات القرار والعزيمة.
وهكذا، من نداء أطلقه الموحد مفتخراً بشقيقته، واثقاً في أثرها، إلى رمز يتردد في الأغاني والأهازيج والمناهج، تتجلى (نورة) كرمز خالد في سيرة وطن، وتاريخ عز، وعزوة لا تغيب.

ذو صلة