مجلة شهرية - العدد (586)  | يوليو 2025 م- محرم 1447 هـ

د.أحمد مستجير.. العالم الموسوعي

اعتدنا أن يبدع علماؤنا القدامى في العديد من العلوم أمثال ابن سينا عندما كان طبيباً وفيلسوفاً، وغيره الكثير من العلماء الذين تركوا لنا تراثاً عظيماً مشت على خطاهم الأمم، فكان من عادة العرب أن ينهلوا العلوم ويبرعوا في أكثر من علم في آن واحد، ولكن من اللافت للانتباه أن يظل هذا النهج في عالمنا المعاصر، فقد أوقفني العالم الدكتور (أحمد مستجير) أستاذ الزراعة وعالم الأحياء المصري ومتخصص في التكنولوجيا الحيوية والشاعر المبدع.
يعد مستجير أحد العظماء الذين نجحوا في مزج العقل المستنير بالقلب الفائر، فهذا الذي جعله شاعراً مبدعاً في جميع المجالات، إذ كان يملك قدرة فريدة على التأمل في العالَم من حوله ويجسده في أعماله بأسلوب شعري رصين، بالإضافة لتفوقه في المجال العلمي.
وُلِدَ أحمد مستجير في 1 ديسمبر 1934م، بقرية الصلاحات مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية شمال مصر، كان شغوفاً في المرحلة الثانوية بكتب البيولوجيا، تخرج في كلية الزراعة جامعة القاهرة، نال العديد من الدرجات العلمية منها: بكالوريوس كلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1954م، ماجستير في تربية الدواجن من كلية الزراعة في ذات الكلية عام 1958م، دبلوم وراثة الحيوان من معهد الوراثة من جامعة إدنبرة عام 1961م، دكتوراه في وراثة العشائر من معهد الوراثة جامعة إدنبرة، عام 1963م، زمالة الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم.
كان لأستاذه تأثير كبير، فقد تأثر مستجير بأستاذه (عبدالحليم الطوبجي) حتى افتتن به وبعلمه وسلك نفس التخصص وهو علم الوراثة، وعليه، نال مستجير اهتمام أستاذه حتى كان يختار ما يكتبه أحمد مستجير، ليعطيه لطلابه عندما يحتاج لكتابة مذكرات للطلاب ولم يسمح وقته بذلك فكان يأخذ ما دوَّنه مستجير.
فمن كثرة شغفه بالعلم، شكَّلَ مستجير مدرسة فكرية تجمع بين الفنون والعلوم، فقد كان شاعراً يعي جيّداً بأهمية الثقافة العربية واللغة العربية خاصَّةً، فيعد مستجير جزءاً من التيار الثقافي العربي الموسوعي الذي لا يزال مؤثراً في العصر الحديث، حيث كان يتمتع بذاكرة منتعشة وعقل مستنير، وكان يتمكن من تحويل كل شيء يعيشه إلى شعر، لذا نجد مدرسته في الشعر مختلفة يكتب شعراً حُرّاً دون الالتزام بالقافية، مما جعله شاعراً متميزاً. شِعْره يعكس عمق ورصانة تفكيره وشعوره، فقد اهتمَّ بالحب والعشق، وهذا الموضوع كان له حضور قويّ في شعره، إذ كان يتجلى في علاقاته مع الزوجة والحبيبة والصديق، مما يعكس عمق تأملاته في الحياة والعلاقات الإنسانية.
تقلد مستجير العديد من المناصب منها: عَمِلَ مدرساً بكلية الزراعة جامعة القاهرة عام 1964م، وأستاذاً مساعداً عام 1971م، ثم أستاذاً عام 1974م، ثم أصبح عميداً لذات الكلية من عام 1986م حتى 1995م، ثم أستاذاً متفرغاً بها حتى وفاته.
كما أنه كان عضواً في اثنتي عشرة هيئة وجمعية علمية وثقافية، منها: مجمع الخالدين، والجمعية المصرية لعلوم الإنتاج الحيواني، والجمعية المصرية للعلوم الوراثية، واتحاد الكُتَّاب، ولجنة المعجم العربي الزراعي، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، زميل الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم، سان فرانسيسكو.
يعدُّ مستجير رائد علم الهندسة الوراثية في مصر والعالم العربي، لقد رحل عنا ولكن حُلمه يتحقق الآن بدخول مصر عصر الجينوم، عن طريق فك شفرة الجاموس المصري، بفضل فريق بحثي مصري، وبتمويل وطني، وعِرْفَان باَلْجَمِيلِ الذي قدَّمه مستجير ولتخليد ذكراه تمَّ اختياره من وزارة الثقافة المصرية ليمثلَ اسم الدكتور أحمد مستجير المفكر والشاعر شخصية معرض الكتاب هذا العام 2025م في دورته 56.
فقد كان يرى مستجير أن (البيوتكنولوجيا) أو التكنولوجيا الحيوية، يمكنها إسعاد الفقراء، ومن خلالها يمكن للعالم زراعة الأنسجة ودمج الخلايا بالهندسة الوراثية، وإنتاج نبات مقاوم للأمراض أو مقاوم للملوحة أو متميز بمحصول وفير، والبشر يعتمدون في غذائهم على القمح والأرز، من هنا بدأ د. مستجير في استنباط سلالات من القمح والأرز التي تتمتع بتحمل الملوحة والجفاف، لسد فجوة الغذاء.
ومن هنا شرع بالعمل في مشروع (زراعة الفقراء)، فهو من أبرز إنجازاته، الذي بدأ العمل فيه عام 1989م بمساعدة عدد كبير من المتخصصين في مجال الزراعة، لاستنباط سلالات من القمح والأرز تتحمل درجات عالية من الملوحة والجفاف بهدف الاستفادة منها في زراعة الصحراء في الدول النامية.
وعندما أقول إنه عالم موسوعي وعالمي وإنسان يستحق منا كُلَّ التقدير لم أبالغْ، فمن علمه وأبحاثه استفادت الهند منها حول زراعة القمح بواسطة مياه البحر مباشرة دون تحليتها، وعليه، تحولت من دولة مستوردة للقمح حتى منتصف التسعينات، إلى مُصَدِّرَة له عام 2004م بعد أن حققت الاكتفاء الذاتي لشعب قوامه 1.3 مليار نسمة تقريباً.
أسهم مستجير إسهامات علميَّة بارزة عادت على المجتمع والبشرية بالخير، فقد لَعِبَ دوراً كبيراً في تطوير زراعة القمح والتصدي لأخطار تلوث البيئة، وقدم أكثر من أربعين بحثاً علميّاً في مجال إنتاج الألبان واللحوم والدواجن والوراثة الحيوانية، كما قام بتهجين الأبقار بأنواع أجنبية، مستخدماً تكنولوجيا التلقيح الصناعي بالسائل المنوي المستورد، مما يؤدي لرفع إنتاجية اللبن واللحم. أثرى المكتبة العلمية بالعديد من المُؤلَّفات في الهندسة الوراثيَّة، فهي من المؤلَّفات العلميَّة الرصينة التي ساعدت غيره ومنها:
- مقدمة في علم تربية الحيوان، القاهرة، عام 1966م.
- دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن - دار المعارف، عام 1969م.
- التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة، القاهرة، عام 1980م.
- النواحي التطبيقية في تحسين الحيوان والدواجن، القاهرة، عام 1986م.
ولم يكتفِ بذلك بل تطرق إلى الترجمة وقام بترجمة العديد من الكتب والمُؤَلَّفات في العلوم والفلسفة منها:
- قصة الكم المثيرة، القاهرة، عام 1969م.
- الربيع الصامت، القاهرة، من عام 1974: 1990م.
- طبيعة الحياة، تأليف فرانسيس كريك، الكويت، من عام 1988: 1999م.
- الانقراض الكبير، القاهرة، عام 1993م.
- عصر الجينات والإلكترونيات.
- المشاكل الفلسفيَّة للعلوم النووية.
- صراع العلم والمجتمع.
- صناعة الحياة.
- التطور الحضاري للإنسان، تأليف جاكوب برونوفسكي، سبقت ترجمتها في سلسلة عالم المعرفة العدد 39 بقلم موفق شخاشيرو تحت عنوان (ارتقاء الإنسان).
- طبيعة الحياة.
- البذور الكونية.
- هندسة الحياة.
- لغة الجينات.
- الشفرة الوراثية للإنسان.
- عصر الجينات والإلكترونات.
- طعامنا المهندس وراثيا.
- الجينات والشعوب واللغات.
- الطريق إلى السوبر مان.
- الوراثة والهندسة الوراثية بالكاريكاتير.
أما عن مؤلفاته الأدبية والثقافة العلمية:
- في بحور الشعر: الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي، القاهرة، عام 1980م.
- هل ترجع أسراب البط (ديوان شعر)، القاهرة، عام 1989م.
- في بحور العلم (جزءان)، القاهرة، عام 1996م.
- علم اسمه السعادة، القاهرة، عام 2002م.
وبالطبع حصل على العديد من الأوسمة والجوائز تقديراً لجهوده العلمية والأدبية منها:
- جائزة الدولة التشجيعية للعلوم الزراعية عام 1974م.
- وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1974م.
- جائزة أفضل ترجمة علمية عام 1993م.
- جائزة الإبداع العلمي عام 1995م.
- جائزة أفضل كتاب علمي لعام 1996م.
- جائزة الدولة التقديرية للعلوم الزراعية لعام 1996م.
- وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى (للمرة الثانية) عام 1996م.
- جائزة أفضل كتاب لعام 1999م.
- جائزة أفضل عمل ثقافي لعام 2000م.
- جائزة مبارك للعلوم التكنولوجية المتقدمة لعام 2001م.
- جائزة أفضل كتاب لعام 2003م.
- في الرابع من يوليو 2006م قدمت له ديوان العرب درع المجلة تقديراً لجهوده العلمية والأدبية.
وبعد مسيرة طويلة حافلة بالإنجازات العلمية والأدبية رحل عن عالمنا ولكن أثره مازال قائماً. توفي في 17 أغسطس 2006، عن عمر ناهز 72 عاماً في أحد المستشفيات بالنمسا. رحمه الله رحمة واسعة.

ذو صلة