مجلة شهرية - العدد (585)  | يونيو 2025 م- ذو الحجة 1446 هـ

الافتتاحية

نشأت أجيال وتكونت عبر المعرفة الموسوعية التي تقدمها موسوعات عالمية شهيرة، فكانت الموسوعات في تلك الحقبة تقوم بوظيفة محركات البحث الإلكترونية التي نراها اليوم، بل كانت تفوقها فيما يتعلق بالموثوقية والدقة والرصانة، متضمنة الصور والرسومات وجداول الشروح التوضيحية، ولا أظن أن أحداً من الأجيال السابقة لم يصافح موسوعة ما في حياته، سواء عبر مكتبات المدارس أو المكتبات الشخصية لدى من يهتمون بالثقافة والمعرفة. اليوم حل الزمن الرقمي، وحلت معه الحضارة الرقمية بأكملها، وهنا غابت سیاقات وبرزت أخرى في مختلف المجالات، والموسوعات أحد أشكال هذا التأثر، إذ تلاشت الموسوعات التقليدية، مثلما تأثر الفعل الورق كاملاً، فالصحف المطبوعة تحولت في معظمها إلى صيغ رقمية، لا أصل طباعي لها، وحركة النشر والتأليف هي الأخرى تعاني تراجعا في الحضور والانتشار. يحدث هذا في مقابل تنامي منصات ووسائط المنظومة الرقمية الواسعة، إذ حلّت محركاتالبحث والموسوعات الإلكترونية وقواعد البيانات الرقمية
محل الموسوعات التقليدية. اليوم يتركز الاهتمام، بالحتمية لا بالاختيار، حول العناية بالموسوعات الإلكترونية وقواعد البيانات الرقمية، والنظر في إمكانية اندماج الموسوعات التقليدية، مع الموسوعات الإلكترونية، مع الموسوعات الحرة، مع موسوعات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهي أحدث أشكال الموسوعات في تقديري؛ وذلك ضمن مشروع شامل يستهدف تحويل المكتباتالتقليدية إلى نسخ إلكترونية متاحة عبر تطبيقات الإنترنت، بما يحقق تعظيم رصانتها وتعزيز موثوقيتها وتأكيد عنایتها بالدقة والمرجعية. أما في الإطار العربي، فالكل يعرف الحقيقة المؤلمة حول تدني نسبة المحتوى العربي على شبكة الإنترنت إجمالاً، بما فيها المحتوى الموسوعي: التقليدي، والإلكتروني، والذكاء الاصطناعي. ومع تحرّك بع الحكومات العربية في هذا المجال، إلا أن النسب ما تزال متراجعة، وهو ما يؤكد أهمية إطلاق مشروع عربي شامل يستهدف النهوض بالمحتوى الثقافي والمعرفي والفني في مختلف الفروع، أملاً في إثراء المحتوى العربي ضمن منصات الحياة الجديدة، وهو ما أفردت له (المجلة العربية) ملفها لهذا العدد، في مناقشة واقع الموسوعات وآفاقها المستقبلية.

ذو صلة