مجلة شهرية - العدد (585)  | يونيو 2025 م- ذو الحجة 1446 هـ

الإعلام.. وفريضة الحج

يعيش عالمنا العربي والإسلامي اليوم مرحلة مهمة من مراحل أيامه الفاضلة، ألا وهي موسم الحج والذي يعود كل عام على المسلمين، حيث يحج كل عام أناس جدد ومسلمون لم يسبق لهم الحج، وفي حجهم تعليم لهم وتربية ودروس وعبر، فقد جاءوا من بلاد بعيدة، ومن كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، جاءوا ليكتسبوا رضا الله وهم في أمن وطمأنينة.
والحج بالمفهوم الشرعي موسم عبادة تصفو فيه الأرواح، وهي تستشعر قربها من الله في بيته الحرام، وبالمفهوم الاقتصادي موسم تجارة، وهو الفريضة التي تلتقي فيها شؤون الدنيا والآخرة، كما أن الحج لغة: القصد، والحج اصطلاحاً: القصد في أشهر معلومات إلى البيت الحرام للنسك والعبادة، استجابة لأمر الله تعالى، وابتغاء مرضاته.
والحج ركن من أركان الإسلام وفروضه العظام، مؤتمر المسلمين الأعظم، الرحلة إلى الله، التعارف بين المسلمين، والتعرف على آيات الله في خلقه، وتزخر ذاكرة الحج على مر التاريخ الإسلامي بالعديد من المواقف والأحداث المهمة، كما تضم كثيراً من الأدوات والمعدات التي كان يستخدمها الحاج في الماضي، وكان من الضرورة أن تواكب روح العصر، وأن تتطور مع مرور الزمن وتطور الإنسان وتقدم سبل العيش والحياة، لتصبح إرثاً غالياً وجزءاً مهماً من ماضي الجدود والآباء.
ويروي الأجداد والآباء قصصاً وحكايات قد تبدو غريبة لجيل الأبناء وذلك حينما يسترجعون ذكريات رحلاتهم للحج في عقود ماضية، وكيف كانت هذه الرحلة الإيمانية العظيمة بالغة المشقة ومحفوفة بالكثير من الصعاب والمخاطر.
ففي الماضي كان يتعرض الحجيج لانتشار الأوبئة والأمراض، والتلوث البيئي نظراً لضخامة كميات عوادم السيارات، وحوادث الطرق، بالإضافة إلى حالات الوفاة الناتجة عن الإجهاد أو التعرض لضربات الشمس أثناء أداء مناسك الحج، وذلك نتيجة لضعف الوعي والتثقيف الصحي والمعلوماتي عن رحلة الحج، وهنا لابد من عملية التثقيف الصحي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة التي له دور حاسم وفعال، فالإعلام هو القادر من خلال قنواته الفضائية عرض العديد من البرامج التثقيفية الصحية.
وكثير من الحجاج يأتون ومعلوماتهم عن الحج ضعيفة ومتواضعة مما يتطلب التعليم والتثقيف والتوجيه والإرشاد في شتى مواقف الحج، وقد يؤدي هذا الجهل بمناسك الحج وآدابه إلى إبطال الحج.
ولقد أصبح لوسائل الإعلام دور لا يستهان به في كل مناحي الحياة، ولأعمال الحج وترشيدها دور كبير يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام وذلك من أجل رفع المستوى الحضاري لمناسك الحج، حيث تنوع وسائل الإعلام وتركيزها على الشعائر في وقتها يمكننا من الوصول إلى الحج النموذجي المتكامل بشكل بسيط ومتدرج بين كافة شرائح الحجاج العمرية أو الثقافية.
فأهداف وسائل الإعلام يجب أن تكون الوصول إلى الحج المبرور والتقليل من الإشكاليات الشرعية التي قد يتعرض إليها الحاج، وفي الوقت الحالي هناك صورة رائعة لحجاج بيت الله الحرام وهم يؤدون مناسكهم بكل سهولة ويسر وأمان، وتتجدد الصورة في كل عام من خلال الجهد المبذول لخدمة الحجيج من خلال الإمكانات الضخمة التى توفرها حكومة خادم الحرمين الشريفين رعاها الله لخدمة ضيوف الرحمن، حيث يقف العالم إعجاباً أمام جهود المملكة العربية السعودية في رعاية ملايين الحجاج كل عام لأداء مناسك الحج، والحفاظ على أمنهم وسلامتهم، ولعل مشاريع الخيام في مشعر منى ومشروع تصريف الأمطار والسيول ومشروع منشأة الجمرات وقطار المشاعر وصولاً إلى تأمين أحدث الآليات والمعدات للجهات المعنية بسلامة وأمن الحجاج لأداء مهامها على الوجه الأمثل والتوسعة الكبرى للمسجد الحرام وغيرها من المشاريع بالمشاعر المقدسة خير شاهد على ذلك.
ولا يقف دور وسائل الإعلام في مواسم الحج عند محطة النقل المجرد للوقائع خلال فترة زمنية محددة، وإنما ينبغي أن يتجاوز ذلك على أداء دور محوري في التثقيف والتوعية قبل دخول كل موسم، ومن هنا يجب على وسائل الإعلام من تلفاز ومذياع وفضائيات وصحف ومجلات وأشرطة وندوات ولقاءات تزويد الحاج بالمعلومات الكاملة عن رحلة الحج حتى يتسنى للحاج أن يؤدي مناسك الحج كاملة غير منقوصة، وعلى الصحافة أن تجعل من الحج فرصة طيبة لمعرفة العالم الإسلامي، كما يجب عليها أن تجعل من موسم الحج مائدة فكرية للقارئ المسلم في كل البلاد، وإذا كانت وسائل الإعلام قادرة على إعادة تشكيل العقل البشري وتوجيهه في الخيارات الكبرى في المجتمع فهي أقدر على إيصال المعلومات كاملة إلى حجاج بيت الله الحرام، فالإعلام والحج مرآة تعكس سماحة الإسلام ووحدة أهله.
وفي هذا العصر الزاهر وبفضل الله وتوفيقه تبذل حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، جهوداً كبيرة وباذلة كل الإمكانات والوسائل المادية والمعنوية لتسهيل كافة خدمات ضيوف بيت الله الحرام، وتذليل كل الصعاب ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة، وذلك لجعل رحلة الحاج لأداء الحج مريحة وميسرة، فلم تقتصر هذه الجهود على زمن محدد، بل امتدت منذ عهد تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، حتى يومنا هذا بقيادة قائد المسيرة المباركة الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وبجانبه ومن خلفه كل المخلصين، يتقدمهم ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، فالجميع لم يدخر جهداً أو مالاً في رعاية ضيوف الرحمن وذلك في سبيل تيسير مناسك الحج.

ذو صلة