مجلة شهرية - العدد (585)  | يونيو 2025 م- ذو الحجة 1446 هـ

الموسوعات العربية في عصر الذكاء الاصطناعي

منذ ظهور الأقراص المدمجة وانتشار شبكة الإنترنت، تغير سوق الموسوعات بشكل جذري، مثل الموسوعة البريطانية (Britannica) وغيرها. ومع تطور التكنولوجيا الحديثة، أصبحت الموسوعات الرقمية أكثر انتشاراً بفضل الذكاء الاصطناعي والوصول المفتوح، مما سهل الوصول إلى المعلومات ومكّن المستخدمين من التحديث المستقل. وبالعودة إلى عام 1998، يذكر نائب رئيس تحريرها السابق آنذاك ألكس بانغ (Alex Pang) أنه خلال خدمته لمدة عامين لمس عن قرب معنى التحول من النشر المطبوع إلى النشر الإلكتروني للناشرين والمؤلفين والمحررين. هذا التحول جلب معه تحديات وفرصاً جديدة، حيث كان ناشرو الصحف والكتب لا يزالون يتمتعون بإيرادات قوية من المنتجات المطبوعة أو يعملون في كلا الوسيطين. أما الموسوعات، فقد كانت بالفعل تنشر أكثر بالشكل الإلكتروني، ومع التحول الرقمي، انتشرت الموسوعات الرقمية بفضل الذكاء الاصطناعي والوصول المفتوح، مما سهل الوصول للمعلومات ومكن المستخدمين من التحديث المستقل. وفي التعليم، أثبتت الموسوعات الرقمية فعاليتها كمصدر للبحث والتطوير (من خلال المواقع الإلكترونية أو تطبيقات الهاتف الذكي)، وكمصدر تعلم تفاعلي، خاصة للأطفال، حيث تدعم التطور المعرفي عبر الوسائط المتعددة. ومع استمرار تطور التكنولوجيا، أصبحت الموسوعات الرقمية أكثر شمولية وتحديثاً، قادرة على استيعاب كميات هائلة من المعلومات وتنظيمها بشكل فعال، مما يفتح آفاقاً واسعة لإنشاء موسوعات أكثر شمولية وتحديثاً.
عندما نتطرق إلى الموسوعات الرقمية، فنحن ننطلق مع المعلومات العامة بالمرحلة الأولى، وعليه لا يمكن تعريف المعلومات العامة رسمياً بأنها مثلاً قائمة من العناصر، بل يجب الإشارة إلى أنها معلومات متاحة تاريخياً للجمهور في شكل مطبوع أو من خلال بعض العمليات المفتوحة بشكل عام، ولذلك لا يمكن الاعتماد على تفسير المصطلحات بشكل رسمي لأن هذا الأمر يعتمد إلى حد كبير على الاختلافات الثقافية. فعلى سبيل المثال، تتضمن القيود القانونية المفروضة على الوصول إلى المعلومات العامة واستخدامها كل من خصوصية وسرية البيانات ومشاركتها ومعالجتها، وحقوق حرية الحصول على المعلومات، وأخيراً، حقوق الطبع والنشر ضمن البيانات العامة، وهو ما يجب للموسوعات الرقمية أن تنتبه له في حالة الموسوعات الحكومية الرقمية مثلاً. ومع أن المعلومات العامة المتاحة للجميع تكون مفيدة في أغلب الأحيان، إلا أن الأمور تكون أكثر تعقيداً من التعريف البسيط المتناول، ولذلك نحن بحاجة إلى النظر في كافة القضايا المتعلقة بالمعلومات العامة، والتي تحد من الوصول إليها أحياناً بسبب طبيعة الخصوصية، وتبادل المعلومات، وحرية المعلومات وغيرها. وعليه، لا بد من مراعاة الموسوعات الرقمية للقيود القانونية المفروضة على استخدام المعلومات العامة في البيئة الرقمية، وزيادة الوعي بهذه القيود.
علاقة محركات البحث بالموسوعات
انتقالاً إلى استخدام محركات البحث للوصول إلى الموسوعات الرقمية، فإنها تزيد من فعاليتها ومساعدة الجمهور على الاستفادة منها بعيداً عن أي تحديات مرتبطة بالمكان الجغرافي، أو اللغة، أو التكلفة المالية، أو التحديات المرتبطة بالعوامل الطبيعية، ووتيرة تحديثها. ومع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، انتشار أنظمة وشبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والأتمتة والروبوتات عبر الإنترنت، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، ودمج أدوار البيانات الضخمة، أصبح بالإمكان تحديث المحتوى بوتيرة أسرع، وبالتالي يتم تعزيز مشاركة المستخدم والترويج للموسوعة بشكل أكبر، وجذب عدد أكبر من الزوار. حيث يمكن أن يتم خلق علاقة مباشرة بين المستخدم والموسوعة من خلال إمكانية التقييم ومشاركة وجهات نظرهم بالتكامل مع التكنولوجيا الرقمية.
واقع الموسوعات العربية
بطبيعة الحال، فإن المستخدم بشكل عام كطالب، أو باحث، أو مدرّس أو غيرهم، يبحث عن المعلومات الدقيقة والمصادر الموثوقة، وهنا ندخل في جدلية الوثوق بمصادر المعلومات المفتوحة مثل مشروع ويكيبيديا، والدوريات المفتوحة، إذ إن بعض الباحثين لا يعترفون بالأهمية العلمية فيها، وكذلك، بالنسبة للموسوعات الرقمية المفتوحة المصدر. وعند التطرق إلى تأثير الرقمنة والتحول الرقمي على الموسوعات العربية التي تركت أثرها على مدى سنين طويلة، فلا بد من العودة إلى الموسوعات التراثية المطبوعة، كموسوعة مفاتيح العلوم لأبي عبدالله الخوارزمي، ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار لابن فضل الله العمري وغيرهم. وهنا نجد أن توفر هذه الموسوعات بشكل إلكتروني للجمهور مُفيد على المستوى التاريخي. وبالتالي، بالنسبة للموسوعات العربية الأخرى، فنجد أن توفرها على الإنترنت بشكل مدفوع، أو بشكل مجاني يُساهم في نشر المعلومات إلى جمهور أوسع. فعلى سبيل المثال، إذا قمنا بزيارة موقع أرشيف الإنترنت (Internet Archive) المجاني، وقمنا بالبحث عن كلمة (موسوعة)، تُظهر نتيجة البحث مجموعة كبيرة تصل إلى 1554 موسوعة تم رقمنة محتواها ونشره على الإنترنت وتسهيل الوصول إليها من دون أي حواجز، إذ نجد أنها تتضمن موسوعات عربية مهمة على مر التاريخ، مثل: موسوعة الأنساب، وموسوعة الكتب الإسلامية (تم الاطلاع عليها من قبل 54 ألف مستخدم) وغيرهم. أما بالنسبة لتأثير التحول الرقمي ومواكبة الموسوعات الحديثة له، فمن الملاحظ أن العديد من الموسوعات العربية قامت بتحويل محتواها إلى محتوى إلكتروني، يتم تحديثه بشكل دوري، ومشاركته على الإنترنت مقابل بدل مالي.
في ظل التطور المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، يُطرح تساؤل مهم حول إمكانية استبدال الموسوعات المطبوعة، التي استغرق إعدادها سنوات طويلة من الجهد البشري، بموسوعات رقمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. هذا التوجه يفتح آفاقاً واسعة لإنشاء موسوعات أكثر شمولية وتحديثاً، قادرة على استيعاب كميات هائلة من المعلومات وتنظيمها بشكل فعال. ومع ذلك، يثير هذا الاحتمال تحديات كبيرة تتعلق بدقة المعلومات وموثوقيتها، والحفاظ على التراث الثقافي والمعرفي الذي تحمله الموسوعات المطبوعة. فما هي إمكانيات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على قيمة المعرفة الإنسانية العربية بشكل خاص.

ذو صلة