يمكن القول إن الموسوعات ودوائر المعرفة تعد من أهم مصادر المعلومات التي لعبت دوراً مهماً في توثيق المعرفة الإنسانية ونقلها للباحثين. وقد ظهرت في شكلها الورقي منذ زمن بعيد، وصارت تمثل مرجعاً رئيساً لطلبة العلم، حيث تميزت بشموليتها وتغطيتها الواسعة لمختلف المجالات العلمية والأدبية والتاريخية. ومع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والدخول في العصر الرقمي، شهدت الموسوعات تحولاً جذرياً في شكلها وفي محتواها، الذي أتاح لها إمكانات واسعة في التحديث والتفاعل وسهولة الوصول. لقد أصبح هذا التحول ضرورة فرضتها متطلبات العصر الجديد. ومع ذلك، فإن الانتقال من الورقي إلى الإلكتروني والرقمي يواجه العديد من المشكلات والتحديات، وظهرت قضايا جديدة لم تكن معروفة سابقاً تتعلق بالملكية الفكرية والمصداقية والفجوة الرقمية وغيرها.
تصنف مصادر المعلومات بشكل عام، والكتب بشكل خاص إلى قسمين رئيسين هما:
أولاً: الكتب التي تقرأ من أولها إلى آخرها مرة واحدة، لأنها تعالج موضوعاً محدداً، أو موضوعات ذات علاقة، كالكتب الدراسية والقصص ودواوين الشعر، وغيرها.
ثانياً: مصادر لا تُقرأ من أولها إلى آخرها مرة واحدة أو كاملة، ولكن يُرجع إليها عند الحاجة، أو تستشار للحصول على معلومة معينة متوافرة فيها، وهذه هي المراجع أو الأعمال المرجعية References.
ويشمل مصطلح المراجع: الموسوعات ودوائر المعرفة، والمعاجم والقواميس، ومعاجم التراجم والسير، والأدلة والموجزات الإرشادية، والأعمال الببليوغرافية، والحوليات، والكتب السنوية، والمراجع الجغرافية كالخرائط والأطالس وغيرها. وتمتاز المراجع عن غيرها من الكتب بالاختصار والتركيز في المعلومات التي تقدمها، وبشمولية التغطية للموضوع، وسهولة الوصول للمعلومات التي تضمها، بسبب طبيعة تنظيمها، حيث تنظم المعلومات فيها بطرق مختلفة أهمها: الترتيب الهجائي والترتيب الموضوعي والترتيب التاريخي والترتيب الجغرافي.
بالنسبة للموسوعات ودوائر المعارف Encyclopedias فهي عبارة عن تجميع شامل لجميع فروع المعرفة الإنسانية (الموسوعات العامة)، أو لفرع واحد منها (الموسوعات المتخصصة)، وذلك من خلال عدد كبير من المقالات التي تُكتب بأقلام عدد من المتخصصين في الموضوع، وغالباً ما ترتب الموسوعات هجائياً أو موضوعياً.
وتقسم الموسوعات بشكل عام إلى:
أ- الموسوعات العامة، والتي تعالج مختلف مجالات المعرفة الإنسانية، ومن أمثلتها: الموسوعة العربية، والموسوعة العربية العالمية، والموسوعة العربية الميسرة، والموسوعة البريطانية Encyclopedia Britannica والموسوعة الأمريكية Encyclopedia Americana وموسوعة Wikipedia وغيرها الكثير.
ب- الموسوعات المتخصصة، وتعالج موضوعاً معيناً، أو عدة موضوعات ذات علاقة، وحالياً لا يوجد موضوع أو علم من العلوم ليس له موسوعة، ومن أمثلتها: الموسوعة الطبية، والموسوعة الإدارية، والموسوعة الهندسية، وموسوعة علوم الأرض، وموسوعة علم النفس، وفي اللغة الإنجليزية هناك العشرات من الموسوعات المتخصصة، مثل Encyclopedia of Education وغيرها الكثير.
وتأتي أهمية الموسوعات ودوائر المعارف للباحثين من أنها توفر للباحثين فكرة أولية شاملة عن الموضوع، وأنها تكتب من قبل خبراء متخصصين في المجال، مما يجعلها مصدراً موثوقاً، وأنها تساعد الباحث في فهم المصطلحات الأساسية لموضوعه أو تخصصه، وأنها تشمل موضوعات متنوعة وفي مختلف المجالات، وتقدم قوائم بالمصادر والمراجع الإضافية التي يمكن أن يرجع إليها الباحث. وغالباً تقدم الموسوعات معلومات موجزة أو تفصيلية، معتمدة على مصادر علمية، وتكون مرتبة ومنظمة بطريقة يسهل الوصول إليها والبحث فيها. ويضم العديد من الموسوعات کشافات موضوعية في نهايتها. وتتميز الموسوعات كذلك بالتحديث المستمر لمعلوماتها.
وتواجه الموسوعات ودوائر المعارف المطبوعة أو الورقية العديد من التحديات او المشكلات والتي من أهمها: التكلفة المرتفعة لإعدادها وطباعتها، وضخامة الحجم (المجلدات) وصعوبة تحديث معلوماتها، وأسعارها المرتفعة، وصعوبة البحث عن المعلومات واسترجاعها، وحاجتها إلى مساحات كبيرة للحفظ والخزن، وعدم توافر روابط أو وسائط متعددة (أفلام وغيرها)، ومحدودية التوزيع والانتشار.
وبسبب التحديات والمشكلات التي تواجه الموسوعات ودوائر المعارف الورقية، كان لابد من التوجه والتحول إلى الشكل الرقمي، وهو عملية نقل الموسوعات التقليدية الورقية إلى صيغ رقمية، يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت أو التطبيقات الإلكترونية، مع توظيف تقنيات الفهرسة والبحث ودمج الوسائط المتعددة (الصور، والأفلام.. وغيرها)، لتقديم معلومات أكثر حداثة وأكثر تطوراً وبطريقة سهلة وسريعة وفعالة.
ويهدف التحول الرقمي للموسوعات ودوائر المعارف إلى:
- تحديث المحتوى والمعلومات بشكل مستمر.
- تسهيل عملية البحث والاسترجاع للمعلومات من خلال محركات بحث متقدمة وفعالة.
- توفير فرصة الوصول للمعلومة في أي وقت وأي مكان.
- تقديم فرصة التفاعلية ودمج الوسائط المتعددة والروابط لتعزيز المحتوى المعلوماتي.
- خفض تكاليف الطباعة والتجليد والشحن والتسويق وغيرها.
- توفير الوقت والجهد على الباحثين.
- دعم التعليم عن بُعد والتعلم الإلكتروني وجذب الأطفال والشباب.
- مواكبة العصر الإلكتروني والعصر الرقمي.
الجدير بالذكر أن هناك العديد من الموسوعات ودوائر المعارف التي تحولت من الشكل الورقي التقليدي إلى الشكل الإلكتروني أو الرقمي، ومنها على سبيل المثال:
- الموسوعة العربية العالمية.
- الموسوعة الشاملة.
- الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي.
- الموسوعة الفلسطينية.
- موسوعة أعلام العرب والمسلمين.
- Encyclopedia Britannica Online.
- Stanford Encyclopedia of philosophy.
- Encyclopedia.com
- Word Book Online.
- Gale Virtual Reference Library.
- Wikipedia موسوعة ويكيبيديا
وتواجه الموسوعات ودوائر المعارف الرقمية عدة مشكلات وتحديات أهمها:
- حقوق الملكية الفكرية، وحماية المحتوى من التلاعب والسرقة.
- التكاليف المالية العالية للأجهزة والبرمجيات والخبراء.
- التحقق من الصدق والموثوقية، موسوعة ويكيبيديا على سبيل المثال تعاني من عدم الصدق والدقة أحياناً.
- ليس جميع المستخدمين لديهم أجهزة حواسيب وإنترنت ومهارات تقنية في البحث عن المعلومات.
- بعض الموسوعات الورقية التقليدية تخشى من فقدان الهوية أو المصداقية عند الانتقال إلى الشكل الإلكتروني أو الرقمي.
- صعوبة الحصول على عائد مادي يغطي التكاليف.
ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم الكثير من الإضافات الجوهرية للموسوعات ودوائر المعارف الرقمية، سواء في مرحلة الإعداد، أو مرحلة الاستخدام. ومن أبرزها: التحديث التلقائي والسريع للمحتوى، البحث والاسترجاع الذكي والمتقدم للمحتوى المعلوماتي، تحسين عمليات فهرسة وتصنيف المحتوى، الخدمة الشخصية للباحثين، اكتشاف الأخطاء في المعلومات، تحليل عمليات الاستخدام وتفاعل الباحثين، إضافة وسائط متعددة وتحويل النصوص إلى صوت أو فيديو، وإنشاء محتويات جديدة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يحول الموسوعات ودوائر المعارف الورقية وحتى الرقمية إلى كيانات حية تتطور بشكل مستمر، لتصبح أكثر دقة وتفاعلية، وسهولة في الوصول إلى كم هائل من المعلومات.