تزخر البلاد التونسية بالعديد من الصناعات الحِرفية من شمالها إلى جنوبها، ومن أهم هذه الصناعات نذكر صناعة النسيج مثل الزّرابي، المرقوم، والمنسوجات الصوفية. وتعدّ الزربية من أشهر المنسوجات في تصاميمها الفريدة وألوانها الزاهية، وتنتشر بالقيروان وقفصة والكاف. بالإضافة إلى صناعة الخزف الذي يشتهر بالتصاميم الزخرفية الهندسية والنباتية، ومن أهم منتوجاته الأواني والبلاطات والقلة، وتنتشر بمنطقة المكنين ونابل وجربة وسجنان.
صناعة الحلي: تعتمد على الفضة والذهب والنحاس والأحجار الكريمة، وتتميز بالزخارف التقليدية المستوحاة من التراث التونسي، ومن أهم المنتوجات الريحانة، القلادة الخمسة، الخلخال، المقياس. وتنتشر بتونس العاصمة، والمهدية، القيروان، المكنين.
صناعة الجلد: تعتمد على معالجة الجلد يدوياً ثم تلوينه ونقشه ومن أهم منتوجاته (البلغة)، والحقائب والمَحافظ وينتشر بالقيروان، وتونس، وصفاقس، وتطاوبن.
صناعة التطريز: تعتمد على الخيوط الفضية والذهبية والحرير والصوف لصناعة الجبة والقفطان والسفساري، وينتشر في نابل وجربة وتونس العاصمة والقيروان والكاف والمهدية.
1 - خاصيات صناعة الحرف اليدوية بالبلاد التونسية
تعتبر هذه الصناعات الحرفية نافذة تفتح على الماضي وذاكرة حية للمجتمع المعاصر فهي جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمعات، فهي تمثل شهادة حية تحمل في طياتها تاريخاً طويلاً وزاخراً بالعادات والتقاليد والمعارف والخبرات، وهي بمثابة سجل تاريخي يوثق أساليب الحياة التي كانت سائدة في الماضي. فمن خلال تصاميمها ونقوشها ورموزها نتعرف على ماضينا وثقافتنا وتراثنا العريق وما مرت به البلاد من حضارات، وحين نتأمل ونتمعن في تلك التصاميم والرموز الهندسية والنجمة الثمانية والخمسة وتأثير الحضارة العربية الإسلامية من خلال الهلال والنجمة الخماسية والكتابات القرآنية والزخارف النباتية. وكذلك تأثر الحضارة العثمانية من خلال الحجارة الكريمة والتصاميم الزهرية والرموز السلطانية وتأثر الحضارة الأندلسية من خلال التطريزات المعقدة والأنماط الزهرية في المجوهرات. فتصبح هذه الصناعات ذاكرة لمجتمعاتنا تحفظ تاريخنا وهويتنا الثقافية وتنقل تاريخ أجدادنا ونمط حياتهم. لذلك وجب علينا الحفاظ عليها لضمان الحفاظ على الهوية الثقافية للأجيال القادمة من خلال توثيق بجمع المعلومات حولها وتسجيلها وتصويرها وحمايتها من الاندثار وذلك من خلال التكثيف من إنشاء المتاحف لما تلعبه هذه المؤسسات الثقافية من دور مهم في الحفاظ على الموروث الثقافي وذلك من خلال جمع الأدوات والمواد المستخدمة فيها وتسجيل تاريخها وتطورها وعرضها على الجمهور وتوعيته بأهميتها. ولمزيد من الحفاظ على هذه الثروة الحِرفية وجب أيضاً إدخال تعليم الحرف في المناهج الدراسية الأكاديمية وتشجيع الشباب على تعلمها وتراثها مع إحداث دورات تكوينية للحرفيين وتعليمهم مهارات جديدة تواكب تطور العصر ومتطلباته. وبذلك تصبح المحافظة على الحرف مسؤولية مشتركة بين الحكومات والمنظمات والأفراد لضمان استمراريتها وتطورها ومواكبتها للتقدم.
هنا يطرح السؤال نفسه: كيف لهذه الحرف التقليدية الضاربة في عمق الماضي أن تواكب التطور والتقدم السريع الذي يجتاح المجتمعات، فيغير أفكارها وأذواقها ومتطلباتها؟
لم يمثل هذا السيل الجارف عائقاً أمام الحرفيين، بل حفزهم ودفعهم لمواكبته من خلال البحث عن حلول تضمن صمودهم، فتحول الحرفي إلى مبدع ومفكر ومبتكر باحث عن تصاميم تلبي احتياجات المستهلك وتتناغم مع ذوقه، كما لجأ إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة التي تساهم في تطوير منتوجاتهم ضامنة لهم السرعة والجودة، وسعى إلى التعاون مع المصمم والفنان لتبادل الخبرات وتطوير المنتوجات. ولم تقتصر مجهوداته على ذلك، بل سعى إلى استخدام مواد جديدة ومبتكرة مع المحافظة على الطابع التقليدي وأصالة المنتوج والتجأ أيضاً إلى طرق جديدة لتسويق منتوجاته كمواقع التواصل الاجتماعي، فتجاوزت منتوجاته اللغة المحلية لتصبح لغة عالمية تكتسح العالم، وبذلك تصبح عنصراً فاعلاً في تنمية الوطن ودعم اقتصاده شأنها شأن بقية القطاعات الأخرى، فهي تتعدى وظيفتها التقليدية كونها تحافظ على التراث الثقافي والهوية الوطنية إلى دفع عجلة التنمية فتصبح مصدراً مهماً لتوفير مواطن الشغل للعديد من الحرفيين وبخاصة في المناطق الريفية النائية، وتوفر فرص عمل إضافية في القطاعات المرتبطة بها كالسياحة والتجارة. كما تساهم في تنمية الصادرات، حيث تتميز منتوجاتها بجودتها وتفردها مما يجعلها مطلوبة في الأسواق العالمية، إضافة إلى أنها تساهم في تنشيط القطاع السياحي كذلك مما يساهم في دعم الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة.
2 - دور وسائل التواصل الاجتماعي لتطوير الحرف اليدوية
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في تطوير الحرف اليدوية من خلال عدة جوانب تتمثل في التسويق والترويج، حيث تمكن الحرفيين من عرض منتوجاتهم للعالم دون الحاجة إلى المتجر الفعلي من خلال توفير منصات مثل الإنستجرام، الفيسبوك، التيك توك، إنشاء مواقع ومساحات لمشاركة الصور والفيديوهات الترويجية للمنتوج إلى جانب الإعلانات الممولة لذلك. كما تساهم بالتواصل المباشر مع العملاء في تلقي الملاحظات والانفتاح على الآخر مما يساعد الحرفيين على استلهام أفكار جديدة مواكبة لتطورات ومتطلبات العصر، وتعزز التعاون بين الحرفيين عبر المشاريع المشتركة، وبالتالي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة أساسية في نجاح وانتشار الحرف اليدوية، حيث توفر منصة للتسويق، البيع والتفاعل والتواصل مع جمهور أوسع لتمكنهم من الوصول إلى عملاء عالميين عبر الإنترنت. علماً أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تقتصر على بيع المنتوج فقط بل أصبحت منصة تعليمية للحرفيين مكنتهم من تعلم تقنيات جديدة متطورة عصرية واستكشاف أدوات وخامات جديدة واكتشاف تصاميم وأساليب جديدة من خلال تصفح محتوى الحرفيين الآخرين مع المشاركة في مسابقات التصميم مما يحفز الإبداع والابتكار.
خاتمة
الحِرف اليدوية التقليدية هي الأساس الذي قامت عليه العديد من الفنون والصناعات الحديثة، حيث استمرت تأثيراتها في التصاميم المعاصرة من خلال استخدام المواد الطبيعية رغم تطور التكنولوجيا، لا تزال الأساليب الحرفية القديمة مصدر إلهام للتصميم الحديث في عدة مجالات مثل الديكور، التصميم الصناعي، وحتى الفنون الرقمية مما ساهم في إنتاج أعمال تحمل روح الماضي بروح عصرية مما يضمن استمرارية هذه الفنون في المستقبل.