مجلة شهرية - العدد (571)  | أبريل 2024 م- رمضان 1445 هـ

لم نخلق لبعض

تزوجتها جميلة الجميلات ولم يكف، فحب حبيبتي السابقة ما زال يستوطنني، صورتها تلاحقني في كل ركن من الغرفة التي من المفروض أن تكون منيرة بها، كان لزاماً أن تكون حبيبتي هي عروسي تخليداً وتقديساً لقصة حبنا العظيمة، أتدرون ما معنى حب الطفولة ذاك العشق البريء والحب الصافي، أيام ارتسخت في ذاكرتي على شكل لحظات جميلة تعذبني، في كل لحظة يلاحقني طيفها.
ربما الحب لم يخلق لكلينا، فالألم والحسرة على ما مضى من أرقى صفاتنا، كلانا نشترك في ألم الفراق عن الحبيب، وكلانا تذوقنا مرارة البعد والشوق. أجمل الأيام مضت وانذثرت. ما أجمل لقاءاتنا السرية حينما كنا نتعهد لبعض أن ننهي علاقتنا بزواج أبدي، أردت أن أكون لك زوجاً وسنداً، فالقدر لم يكن يوماً في صفنا، كأن الحب جرم عظيم اقترفه حبيبان كان الهوى سيدهما، كم من مرة تقدمت لخطبتها فانتهى بي المطاف مطروداً من منزلها. مازلت أتذكر خبر خطوبتها لابن عمها المهندس حسام لينقطع حبل الوصال بيننا. كم ترجيت والدها أن يقبل بي عريسا لابنته، في وطني يا سادة لا معنى لوجودك دون رصيد بنكي سميك، ومنزل كبير مع سيارة فاخرة. تظل نكرة في مجتمع يؤمن بالماديات لا بالأخلاق والقيم. حبيبتي تزوجت برجل آخر غصباً عنها، أي عذاب تراه أعيشه الآن، بكاء بلا دموع وصراخ، بلا صوت، أحاسيس يعجز اللسان عن وصفها، أصبحتُ جسداً بلا روح، كيف لا وحبيبتي ملك لرجل آخر، ماذا عن مقعدنا الخشبي الذي حفرت عليه أسماءنا. ماذا عن كل سنين الانتظار. ماذا عن أسماء أطفالنا الذين لم يكتب لهم الوجود كما لم تكتب لقصة حبنا الوجود. بين ليلة وضحاها انطفأت شمعة حبنا، تزوجت ورحلت إلى مدينة أخرى ولم تشأ أن ترحل عن فؤادي، حاولت نسيانها بشتى الطرق حتى أنني ظننت أن زواجي بأخرى كاف لنسيانها، كيف تقدمت لخطبة ابنة جارنا؟ وكيف انقضى الأمر بزواج رسمي. لا أدري؟ أي جرم اقترفته في حق نفسي وفي تلك البريئة التي زفت إلى بيتي هذا المساء بفستانها الأبيض كباقي الفتيات من سنها اللواتي يطمحن بحياة زوجية سعيدة، يا إلهي أُغلِق الباب علينا في غرفة واحدة، جلستُ أستوعب الأمر للحظات، فأنا لم أود يوماً الزواج بفتاة أخرى من غير حبيبتي مريم، أي خيبة أمل أضيفها على كل الخيبات التي تلقيتها في آن واحد، حاولت الاقتراب منها وافتتاح أي موضوع يكسر صمتنا الذي دام لساعات.
- مريم
رفعت رأسها بنظرة غاضبة:
- سلمى يا أحمد سأظل أذكرك باسمي في كل لحظة!
صمتت ثم تابعت:
- مر على زواجها مدة طويلة، تقبل الأمر مريم تزوجت ورحلت. ألم يأن الأوان أن تمسحها من ذاكرتك، إن كنت ما زلت تحبها لم تزوجتني إذن؟!
كلماتها كصفعة تلقيتها، أوقدت نيران بركان آن الأوان لينفجر، لعنتها ألف مرة كسرتُ كل شيء حتى أنني تجرأتُ ورفعت يدي في وجهها، انصرفتُ من الغرفة بسرعة أبحث عن مكان أطلق فيه العنان لصراخي وأذرف فيه دموعي بلا توقف لعلي أخمد غليل فؤادي. في اليوم الثاني عدت إلى خيبتي مجدداً، دخلت إلى غرفتي لأجد عروسي مازالت ترتدي فستانها الأبيض وكحل عينيها شق طريقاً أسود على وجهها البريء، أشفقت على حالها، أي ذنب اقترفته لتهجر في ليلة عمرها! اعتذرت منها مستسلماً للواقع المرير الذي أعيشه، مرت عشر سنوات على زواجنا، رزقنا بطفلة سميتها مريم، بينما كنت في الحديقة مع ابنتي اصطدمت فجأة بحبيبتي مريم، كلانا اتجه إلى الكرسي الخشبي، كأن الزمن يتوقف عندما تلتقي عيون العشاق كيف لا وهي الموطن والمأوى، فما أجمل الارتواء بعد ظمأ طويل! ماذا فعلت السنين بك حتى أصبحت ذابلة هكذا؟ اختلطت مشاعرنا بين سعادة غامرة وحزن قاتل، قريبة مني بخطوات قليلة وبعيدة عني بأيام وسنين. نادينا بعضنا في آن واحد:
- أحمد
- مريم
ليكون الرد أكثر صدمة من لقائنا
- نعم ماما
- نعم بابا
يا لسخافة الزمن كلينا لم ننس قصة حبنا بل أحييناها في أسماء أطفالنا، أيعقل أن يحمل ولدك اسم حبيبك السابق! وددت لو عانقتها وضممتها إلى صدري، أردت أن أقول لها للمرة الأخيرة مازلت أحبك. لكن مقادير الزمن اختلفت، من تقف أمامي الآن ليست حبيبتي إنها زوجة رجل آخر، وأنا لي أيضاً زوجة في انتظاري، في صمت وقفنا نتبادل العتاب، لم نقو على الكلام، كان الانسحاب أفضل الاختيارات لكلينا، مسكت بيد ابنها ورحلت كعادتها دون كلمة تخفف ألم الشوق، حاولت أن أوقفها لكن حروفي خانتني. اكتفيت بمراقبتها وهي تبتعد كعادتها رويداً رويداً إلى أن اختفت تماماً.

ذو صلة