الوقت يسير ببطء، يراقب ساعة معصمه، عقرب الثواني ثقيل الحركة، يومه كأمسه وكذلك غده كما يتوقع.
لا بشر، لا صوت، حتى الحشرات الصغيرة لم يعد يراها.
الوقت لا يكاد يتحرك.
يخاطب نفسه بصوت عال:
ماذا حلَّ بالزمن؟
يعيد السؤال مراراً وتكراراً بصوت متشنج كمصروع، حتى ينهي جلبته بضرب طاولة صغيرة كانت بالقرب منه فتهدأ نفسه.
لا صوت ولا همس يُسمع، سكون عميق.
تعود نفسه مرة أخرى وتناجي ذاتها: ليت الزمن يسرع.
سأم من متابعة عقرب الثواني في ساعة يده.
فكّر في ساعة الحائط المعلَّقة في غرفة الجلوس.
هرع إليها، ليجدها كما هي، دون حراك، بإطار خشبي منمَّش وعقارب بيضاء لم تتحرك منذ وقت طويل.
كانت معلقة في منزل جده القديم.
(سأصلحها)، يخاطب نفسه.
لا بد أن الزمن يحبها، والزمن إذا استولى عليه الحب أسرع. آه، لو أن الزمن يسرع!
لقد اشتقت لسرعته التي تباطأت سنينَ خلون.
أنزل الساعة وأحضر أدوات الفك والربط.
بدت له لذّة لم يعرف لها مثيلاً.
(سأعيد الزمن كما كان، وسأصلح آلته العتيقة هذه).
مسامير صدئة وغبار متراكم جلب له السعال، ولكن يديه سعيدتان وعينيه لهما بريق - بريق الفرح.
لكن طالت عليه أعمال الفك والربط، وظهر على أنامله الملل.
سقط مسمار منه وتدحرج إلى أسفل الكرسي.
انحنى حتى الانبطاح، قلب نظره ولم يجد له أثراً فالبقعة مظلمة.
جلب بسرعة كشاف الضوء ليجد المسمار الصغير بعيداً عن مرمى يديه.
أحضر عصا خشبية ونجح في إعادة المسمار الصغير، فعاد له تنفسه.
ورجع كما كان محاولاً إصلاح الساعة.
الوقت يمضي وهو سادر في الإصلاح.
جبينه يتفصد عرقاً وغضبه يتعاظم.
ما سرّ هذه الساعة؟ لِمَ لا تريد أن تعمل؟ يناجي نفسه.
حاول مرة ومرة وأخرى حتى سخن رأسه واحمرّ وجهه.
لقد فاض كأسه، يصيح بصوت غاضب:
(تباً للساعة! تباً للساعة!)
ويضرب بها الجدار لتتهشم وتتجزأ في أرجاء الغرفة، فيسكن جأشه.
تواتيه رغبة رؤية ساعة يده من جديد، والتي أودعها في غرفته الخاصة.
وفي سيره إليها داس على قطعة من خشب ساعة الحائط المتناثرة،
كانت أشبه بنصل انغرس بحدة في باطن قدمه.
صرخ: (آخ!)
لسعة من كهرباء.
يضرب بقبضة كفه الأرض بشكل هستيري ويهتف بألم:
(تباً للساعة! تباً للساعة!)
سلَّ القطعة الخشبية من باطن قدمه، لتسيل الدماء وتملأ المكان.
أرعبه المنظر وتفاقمت حشرجة صدره واضطراب نفسه.
أسرع غير آبه بالدماء والألم، أمسك بساعة يده، والغضب يتملكه، فضرب بها الأرض، ولم يوقفه تطاير أجزائها حتى تعرّى هيكلها من كل شيء.
يراها عدماً، فتهدأ نفسه تدريجياً وتدب الراحة في جسده.
استلقى على الأرض بهدوء، ظاناً أنه تخلّص من مشكلة بطء الزمن ومشاعر غضبه، فتلوح على محياه ابتسامة نصر لم تدم طويلاً، ليفجع بصوت منبه هاتفه المزعج، مذكِّراً إياه بعلاج التوتر المفرط.