مجلة شهرية - العدد (591)  | ديسمبر 2025 م- جمادى الثانية 1447 هـ

سِفر وسَفر

سأحملُ رايتي وأظلُّ أجْري        وحَسْبي في غدٍ سَبْقي وأجْري
إذا فُرَجٌ لدَى المخلوقِ سُدَّتْ        فرزقُ اللهِ فيَّاضٌ ويَجْري
مُحَالٌ في الحياةِ دوامُ مَحْلٍ        صُرُوفُ العمْرِ ماضيةٌ وتَجْري
شَهِدْتُ بهذهِ الدُّنيا سِباقاً        بِهِ ميدانُ عُمَّالٍ وتَجْرِ
أنالُ إذا أُغامرُ في طريقٍ        لذيذَ النُّجْحِ يَعلُو كُلَّ نَجْرِ
أُطَوِّفُ في بلادٍ أو قِفَارٍ        هما سِيَّانِ إعْطائي وزَجْري
أرى في خَلوتي مَنّاً وسَلْوَى        وأعشقُ كلَّ عاشقةٍ لِهَجْري
إذا دُنيايَ لانَتْ في زمانٍ        مَهَدتُ لنفسيَ العُقبَى بِحَجْري
رأيتُ الصّبرَ أوفَى مَن أُلاقي        وقد بوّأتُهُ مَهدي وحِجْري
نُواسي بعضَنا إنْ حلَّ ضَيمٌ        وأدفَعُ عنهُ عادِيَةً بِحِجْري
ومهما اشتدَّتِ الظَّلماءُ حَولي        ففي قلبي يَشِعُّ بريقُ فَجْري
لِغَرْسِ فَسِيلَتي سَأظَلُّ أجْرِي     
***
هيَ الأيّامُ في كَرٍّ وفَرِّ        كمِثْل البحرِ في مَدٍّ وجَزْرِ
أُجدِّفُ في خِضَمِّ المَوجِ جِدّاً        ولا أخشاهُ في رأسٍ وقَعْرِ
نَجاتِي في نَجاحي في مَضَائي        بِلا وَهْنٍ لدى إلْفٍ ونُكْرِ
أُحَقِّرُ إنْ عَزَمْتُ على رشادٍ        عَوِيصَ الأمرِ في بَرْدٍ وحَرِّ
إذا قاسيتُ في حظٍّ شَريفٍ        نَذَرْتُ لأجلِهِ يومي ودَهري
ولي في (سَوف) إنْ بَرزَتْ سُيُوفٌ        صدَاها جلَّ عن نَهيٍ وأمْرِ
أغُضُّ إذا لقيتُ السُّوءَ طَرْفي        أُنَزِّهُ سَامِياً فِعلي وفِكري
وأُلقِمُ كلَّ نابِحةٍ صُخُوراً        مِنَ الإحسانِ في طَيٍّ وذِكرِ
فكم ساحٍ أصبِّحُها بِعزٍّ        وكم هروَلْتُ في سَهْلٍ ووَعْرِ
أراوحُ بين إبْرَارٍ وبِرٍّ        سواءٌ يومُ صُمْتُ ويومُ فِطْرِي
إذا لم أتَّئدْ في هَزِّ نخْلٍ        فلا تَثْريبَ في نَزْرٍ ووَفْرِ
سأبذِلُ ما حَييتُ جَميلَ زادِي        صَدُوقَ الوُدِّ في سِرّي وجَهري
وأهجُرُ نادِيَ الخُلَطَاءِ إنّي        بِهِ ما بينَ إطلاقٍ وأسْرِ
أحَاذِرُ أنْ يَطولَ بِهمْ غِيَابي        وأنسَى فيهِمُ حَرفي وسَطري
سأمضِي غارساً في الصَّخْرِ زَهراً        أُغنّي الحُسْنَ في شِعري ونَثري
ولن أنْسَى بِكَرِّي أو بِفَرِّي
***
تَطيبُ النفسُ في صَفْوٍ وطُهرِ        ولو شَطَّتْ بأرضٍ أو بِمِصْرِ
تُهذِّبُها الفضائلُ حيث جادتْ        وحُسْنُ النّبْتِ في طِيبٍ ونَشْرِ
وتُوقِظُني وتُوفيني سِداداً        بِهِ أصبحتُ في رَتْقٍ وجَبرِ
وتَدعوني لأُسرِعَ في مَسِيري        فأُقبِلَ فيه في حَشْدٍ وحَشرِ
أسيرُ فلا أمِيلُ ولا أُبالِي        وأقْهَرُ كُلَّ ذي غِلٍّ ومَكرِ
وراحلتي بكلّ البِيدِ عَزمٌ        أُفَدِّيها بِنَاصِيَتي ونَحْري
ورَحْلي فوقها لَدْنٌ رقيقٌ        رمِيمُ الحالِ مِن شَقٍّ وفَطرِ
لَها مِن هِمَّتي أقسَى خِطامٍ        يقِيها التِّيهَ في ظُلمٍ وجَورِ
إذا عَثَرَتْ بحَزْنِ الأرضِ حيناً        بَذلتُ لغَوثِها شَدِّي وجَرِّي
أعالِجُها إذا فَتَرَتْ بِحِلْمٍ        وإلا في مُراغَمَةٍ وقَسرِ
أُناجيها إذا صِرنا بِقَفْرٍ        أُعَوِّضُها بإقبالي وبِشْرِي
أُبادِلُها الوفاءَ بكلِّ خَطْوٍ        وحثّاً نافَ عن عَدٍّ وحَصرِ
وأرعاها بكلّ كريمِ غَيثٍ        وأُنْزلُها بكوخٍ أو بقَصْرِ
وأوردُها المنَاهِلَ سائغاتٍ        فأَرويها بلا قَطعٍ ووَتْرِ
فتنشطُ بَعدَها لجدِيدِ ظَعْنٍ        ونَنهضُ في رُبَا وَصْلٍ وبِرِّ
وحَسْبِيْ اللُّبْثُ في صَفْوٍ وطُهْرِ
***
سِقاءُ العمرِ في سعْيٍ كبئرِ        تَظلُّ دِلاؤُهُ رَيَّا بِغَمْرِ
فعِشْ ما عِشتَ ريّانَ العطايا        وحاذِرْ ما استطعتَ صُنوفَ هَدرِ
تجَلَّدْ حين تَرْقَى في كَؤودٍ        فإنّ النُّزْلَ في العُليا كمَهرِ
وطَهِّرْ من رَذِيلِ الفِعلِ ثوباً        بهِ ما زِلتَ في حُسنٍ وصَدرِ
وصُنْ بِنتَ الشِّفاهِ عنِ الدَّنايا        تُعَظَّمْ في النُّفُوسِ بكلِّ فَخرِ
وإنْ نَزِقٌ رماكَ فلا تُجِبْهُ        فهل دَلْوٌ يُكَدِّرُ صَفْوَ بَحْرِ؟!
وجانِبْ كلَّ ما لا تَصْطفِيهِ        ولا تَخْضَعْ لِما قد كان يُغري
وخَالِلْ كلَّ ذي رأيٍ وحِلمٍ        لِتأمَنَ في الصِّعابِ بشَدِّ أزْرِ
ولا تَفْتُرْ إذا جُحِدَتْ مَسَاعٍ        فما يُنسيكَ أنّ الله يدري؟!
وعَزِّ النّفْسَ إنْ طالَ اصطِبَارٌ:        شقاؤكِ في الفَلاحِ ربيعُ عُمْرِ
كأنَّا حينَ نَمشي في كِفاحٍ        حُفاةٌ فوقَ أشْواكٍ وجَمرِ
هيَ الشَّهَواتُ تكْتنِفُ الخَطَايَا        وكلُّ جَلِيلَةٍ حُفَّتْ بِعُسرِ
ألستَ ترى الفَيَافِيَ مُشْرَعَاتٍ        وتُحمَى كلُّ مَزرَعةٍ بِجُدْرِ؟
فيا عَجَباً إذا الأعمالُ صارَتْ        سَحَاباً واهِباً فَيْئاً بيُسرِ
تَمُرُّ بنا المَنَايَا مُسرِعاتٍ        فكُنْ مِمَّن يُرى في الليلِ يَسْري
وكُنْ في الفَضْلِ إمْدَاداً لبِئْرِ

ذو صلة