جاء في الحكم والقصص القديمة أن ملكاً أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال له: امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيراً على قدميك.. خرج الرجل وشرع يذرع الأرض مسرعاً ومهرولاً في جنون، فسار مسافة طويلة فتعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها.. ولكنه غير رأيه وقرر مواصلة السير ليحصل على المزيد، فسار مسافات أطول وأطول، وفكر في أن يعود للملك مكتفياً بما وصل إليه لكنه تردد مرة أخرى وقرر مواصلة السير مجدداً ليحصل على المزيد، ظل الرجل يسير ولم يعد أبداً.. لماذا؟ لأنه ببساطة ضل طريقه وضاع في الحياة، وقيل إنه وقع صريعاً من جراء الإنهاك الشديد، والنتيجة لم يمتلك شيئاً ولم يشعر بالاكتفاء والسعادة لأنه لم يعرف حد الكفاية، والمقصود بها بطبيعة الحال القناعة.
قصة أخرى تتعلق بمفهوم الطموح، نعم طموح المصيدة الذي تتصور أنك تعتاده فإذا بك أنت الصيد الثمين. والقصة التي سنسردها خير دليل على ذلك:
ذهب صديقان يصطادان الأسماك، فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة فوضعها في حقيبته ونهض لينصرف، فسأله الآخر: إلى أين تذهب؟ فأجابه الصديق: إلى البيت، لقد اصطدت سمكة كبيرة جداً تكفيني. فرد عليه: انتظر لتصطاد المزيد من الأسماك الكبيرة مثلي. فسأله الصديق: ولماذا أفعل ذلك؟ رد عليه: عندما تصطاد أكثر من سمكة يمكنك أن تبيعها. عاد وسأله الصديق: ولماذا أفعل ذلك؟ قال له: كي تحصل على المزيد من المال. فسأله أيضاً: ولماذا؟ فرد الرجل: يمكنك أن تدخره وتزيد من رصيدك. فعاد وسأله مرة أخرى: ولماذا أفعل ذلك؟ فرد: كي تصبح ثرياً. فسأله الصديق: وماذا سأفعل بالثراء؟ رد الرجل: تستطيع في يوم من الأيام عندما تكبر أن تستمتع بوقتك مع أولادك وزوجتك وأهلك. فقال له الصديق العاقل: هذا هو بالضبط ما أفعله الآن، ولا أريد تأجيله حتى أكبر ويضيع العمر.
والسؤال الذي نود طرحه: أليس هذا الرجل عاقلاً بما فيه الكفاية؟! إن الغاية من سرد القصتين باتت واضحة ولا تحتاج للمزيد من التفكير، فالقناعة التي وصفت بأجمل العبارات والكلمات هي كما قيل عنها: (كنز لا يفنى)، وما نحتاجه في وقتنا الحالي في الكثير من مفاصل حياتنا أن نتحلى ونتمتع بهذه العبارة الرائعة، ولا تعليق.
في حين نجد أن المغزى في قصتنا الثانية التي لا تقل أهمية عن الأولى هو كما يقال: اعقل وتوكل، ولا تدع الطمع والجشع هما سيدا الموقف في حياتك وحياة أولادك وأحفادك. فهل وصلت الرسالة يا أبناء أمتي؟ آمل ذلك..