قالت تعاتب قلبها: جنيت يا قلب على نفسك، وجنحت في أحلامك وأمانيك، وتركت العمل، ونسيت الكد والجهد والسعي نحو ما تصبو إليه، وصنعت مملكةً من أحلامك تعيش فيها منتظراً أن تتحقق، وهيهات أن تتحقق.
أطرق القلب لبرهة: ما أنا الذي أجني عليك، أنا لا أملك كل السيطرة على ما أشعر به.
قالت ملوحةً بيديها تمنعه مواصلة الحديث: هذا الحوار قديمٌ؛ صراع القلب والعقل.
قال القلب: أنا لا أستطيع أن أرفع صوتي مثلك، كل ما أستطيعه هو النبض وحديث النفس. لا ترفعي صوتك في وجهي لأنك ترينني بهذا الضعف.
قالت: أنت لست بضعيف، وهذه أكذوبة لن تستطيع تمريرها علي. القوة ليست برفع الصوت. أنت تتحكم بأقوى شيء فيني؛ بالشعور؛ بما يحركني ويدفعني.
قال القلب: لم أدفعك لأي شيء. ها هو العقل لديك.
قالت: لا شأن لك بالعقل، دع العقل جانباً، وقلت لك لن أخوض هذا الحديث عن القلب والعقل. أرجوك.
أطرق القلب متوجعاً: ماذا إذن؟ أتريدينني ألا أشعر بأي شيء؟ بذلك يموت القلب، ولو نبض!
هكذا هو القلب يشعر، كما الأيدي تتحرك، والآذان تسمع.
قالت: إذن وما شأن هذه الأحلام والأماني التي تصدرها علي وتجعلني أركض خلف سرابات!
قال: هذه أشياء تتبع الشعور تلقائياً لا شأن لي بها، أنت من أرخيت العنان لها، وجعلتيها تصل إلى عنان روحك.
قالت: لا تستخدم هذه اللغة البلاغية معي.. (عنان وعنان)!
قال: حسناً سأخمد كل شيء إذن، سأجعل هذا القلب (عملي) فقط؛ يضخ الدم ويقوم بأدواره المادية، بذلك سيموت القلب بطريقة ما، يموت معنوياً، أحلامك وأمانيك وشعورك ستكون غائرة بعيدة لن تشعري فيها ولو كانت صادقة.
ثابت إلى نفسها، وصرخت صرخة فزع قصيرة، وذهبت تناديه وتناديه، أمسكت قلبها بيديها تحاول إيقاظه لكنه صمت، أصمتت كل المشاعر، صار القلب اعتيادياً يعمل بصمت؛ العمل المادي فقط؛ هبطت دموعها بغزارة، حاولت أن تناديه، وأن تستحضر أحلامها، لكن أحلامها صارت عادية مضحكة محددة جداً، ولا تستطيع أن تحلم بخيالها أبداً، كان الخيال يطردها كلما اقتربت. كان القلب يعمل بجد في ضخ الدماء وعمله الاعتيادي، كعامل مصنع يعمل عمله اليدوي المكرر، حاولت الاقتراب من قلبها، همست له بعض الكلمات، نظر إليها مبتسماً ابتسامة بلهاء دون أن يتكلم.