مجلة شهرية - العدد (590)  | نوفمبر 2025 م- جمادى الأولى 1447 هـ

كتب وقراءات


الكتاب: صناعة الوحوش.. كيف يجرّد البشر من إنسانيتهم
المؤلف: ديفيد ل. سميث
المترجمة: سلمى الحافي
الناشر: دار الساقي، بيروت، 2025.
«لم أكن أقبل أنهم بشر، أرى طفلاً يبتسم لي ومع ذلك أقتله».
هكذا شرحَ رجلٌ من قبيلة الهوتو ما شعر به عندما ذبح شخصاً من قبيلة التوتسي في رواندا عام 1994.
هذه التصريحات صادمة، ومع ذلك نعترف بها ونسمع أصداءها في الروايات عن الإبادات الجماعية والمجازر عبر التاريخ. فكيف يمكن لبعض الناس الاعتقاد بأن أعداءهم وحوش، وبالتالي يسهل قتلهم؟
يقدّم ديفيد سميث قراءة مؤثرة في الجذور الفلسفية والنفسية للتجريد من الإنسانية، ويستكشف معناه، وكيف ولماذا نمارسه؟
إن التجريد من الإنسانية متجذر بعمق في نفوسنا. ولأننا جميعاً بشر، نحن عرضة للتلاعب من قبل أولئك الذين يتاجرون في سياسات الشيطنة والعنف.
ديفيد ل.سميث متخصّص في فلسفة فرويد، وأستاذ الفلسفة في جامعة University of New England. في رصيده سبعة كتب، بالإضافة إلى عدد من المقالات والأبحاث الأكاديمية.

الكتاب: الرماية وفنون الفروسية في العصر المملوكي
المؤلف: محمد إبراهيم عبدالعال
الناشر: مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2025.
تتضمن فصول الكتاب: الفروسية والفنون الحربية وبدايات علم الرمي بالقوس والسهم وأصوله وتطوره في عصر المماليك. ويلقي الكتاب الضوء على المؤلفات المملوكية التي تحدثت عن الفروسية وفنون الرماية، خصوصاً كتب الفروسية المزينة بالتصاوير، وما تتضمنه من أدوات الرماية، ممثلة في القوس والوتر والسهم، سواء من حيث المواد الخام والأنواع والمقاييس والأوزان، واستخدامات الرماية في العصر المملوكي، سواء في الأغراض العسكرية أو الرياضية.
كما تناول الكتاب الفروسية والرماية وأثرها على فنون التصوير والزخرفة، من خلال مناظر الرماية التي ظهرت على التحف الفنية التطبيقية، وتتضمن تنظيم وإدارة المعارك، واستخدام الأسلحة وأدوات الحرب من السيوف والرماح والسهام والآلات الحربية، بالإضافة إلى وصف أوسمة وشعارات الأمراء والسلاطين المحفوظة بالمتاحف الفنية والمجموعات الخاصة التي ترجع إلى العصر المملوكي.

الكتاب: التستوستيرون.. سيرة ذاتية غير مألوفة
المؤلفتان: ريبيكا م. جوردان يونج، كاترينا كاركازيس
المترجمة: دلال إسحق.
الناشر: دار التنوير، القاهرة - بيروت، 2025.
التستوستيرون هو الشرير المألوف، والمذنب الجاهز في كل شيء، بدءاً من انهيارات أسواق المال، وحتى العدد المفرط للرجال في السجون، وبينهما الكثير. لكن هذا أكثر مما يمكن أن نلقيه من مسؤولية على جزيء بسيط. لكن في الواقع، إنّ مستوى التستوستيرون لديك لا يتنبأ بدافعك للتنافس، أو شهيتك للمخاطرة، أو الجنس، أو قوتك، أو براعتك الرياضية. ليس هو الجوهر البيولوجي للرجولة، بل ليس حتى هرموناً جنسياً ذكرياً. إذن، ما هو؟ وكيف منحنا هذا الهرمون تلك القوى الخارقة؟ هذه السيرة تحرِّر التستوستيرون من المفاهيم الخاطئة.
تبدأ قصة T عندما بدأ العلماء لأول مرة بالبحث عن الجوهر الكيميائي للذكورة. مع مرور الوقت، قدّم هذا الجزيء مبرراً لعدد لا يُحصى من السلوكيات، بدءاً من الفظاظة حتى السلوكيات التي تُحسد عليها. اليوم، مع تحول الرياضيين إلى التستوستيرون للحصول على ميزة تنافسية، وبينما نواصل نحن مناقشة ما يعنيه أن تكون رجلاً أو امرأة، فقد عادت قصة هذا الجزيء لتكون موضوعاً ساخناً مرة أخرى.
ما نعتقد أننا نعرفه عن T يقف عقبة في طريق فهم وظائفه وتأثيراته المدهشة. لذا تركز المؤلفتان على ما يفعله T في ستة مجالات: الإنجاب، العدوانية، المجازفة، السلطة، الرياضة، والأبوة. كل ذلك بهدف تقديم معرفة عميقة حول هذا الهرمون المثير للاهتمام والمفيد للغاية في الوقت نفسه.

الكتاب: رسائل جون كيتس إلى فاني برون
المترجمة: رفيدة جمال ثابت
الناشر: بيت الحكمة، القاهرة، 2025.
تتمتع رسائل جون كيتس إلى أصدقائه وعائلته وحبيبته فاني برون بأهمية أدبية تضاهي ما ناله شعره من تقدير، حتى أن ت.س.إليوت أشار إلى أن عظمة كيتس تتجلى في خطاباته، مشيداً بطابعها الشكسبيري، حيث قال: «إن خطاباته تُعد أرقى وأكثر أهمية مما كتبه أي شاعر إنجليزي، فهي تزخر بموضوعات ثرية تظهر من دون مقدمات أو مظاهر استعراضية، لذلك فهي تحمل أعمق نقد وأدق فهم، إن مقولات كيتس عن الشعر المتناثرة في رسائله تلامس حدود الإلهام، لأنه يمتلك عقلاً شعرياً». من جانبه، يرى الناقد ليونيل تريلينج أن تلك الرسائل تحمل هوية أدبية فريدة، تكشف عن التطور التدريجي لشخصية كيتس الإنسان. أما جون برنارد فيؤكد أن «الخطابات ترسم صورة لتطور الشاعر، وتمثل صورة للفنان في شبابه، وهي جزء أساسي من رحلته الشعرية».

محمد نور الجوهري 1919 - 1998
من هنا بدأت الرواية السعودية
في أوليات تأريخ الآداب والفنون، ثمة أشخاص مغامرون ومفاجئون وإنما يسقطهم التاريخ نتيجة الانقطاع أو تغيير المسار، وهذا ما صار مع الطبيب محمد نور الجوهري الذي ترك لتاريخ الرواية السعودية عملاً يتيماً ما جعل تعريفه المقتضب يكون على النحو التالي: أديب وروائي من مواليد مكة. من أعلام النهضة الأدبية في تهامة. ينسب له ريادة الرواية المكية والسعودية، عبر روايته (الانتقام الطبعي) التي أصدرها في 11 يونيو 1935.
على أن تاريخ الآداب والفنون في أي مجتمع لا يقاس بالأوائل أو الرواد، بل أصحاب المسيرة والتكريس، أي الذين جعلوا من هذا الأدب أو الفن مسار حياتهم، فحققوا ذواتهم وأنجزوا نتاجاً ثقافياً.
يتشاغل مؤرخ الأدب السعودي، خاصة، الرواية بظهور الجنس الروائي، وتجاهل كافة أنماط السرد العربي، ما أحرجه أكاديمياً بين أسماء لم تكن مبدعة في السرد، وكتبت الرواية بمبررات تربوية – أخلاقية لا أكثر سواء عند عبد القدوس الأنصاري أو محمد علي مغربي أو محمد نور جوهري، على أن الأب الشرعي للرواية السعودية في القرن العشرين هو أحمد السباعي.
على أنه يمكن مساءلة أسباب تجاهل تقاليد الجنس السردي العربي، فقد انقطع عن التراث السردي (الأيام والحكايات والقصص والسيرة الشعبية والرسائل) المتجلي في: رسائل الشيخ أحمد بن عطوة (1446-1541)، رسائل الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ (1810-1884) أو المفاخرة بين وابور البحر ووابور البر (1906) لإبراهيم الأسكوبي (1848 - 1913)، ومسامرة الضيف بمفاخرة الشتاء والصيف (1911) لأبي بكر خوقير (1832 - 1930).
إذ يعلق الأستاذ الجامعي عبد العزيز السبيل في مقالة له:
عندما صدرت موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث (2001) نجد انه تم عدها من روايات (البدايات والتأسيس)، وقال عنها منصور الحازمي (ولا تختلف قصة محمد الجوهري، (الانتقام الطبيعي) عن قصة الأنصاري في هدفها التعليمي وسرديتها المباشرة).
وحين النظر في الرواية، نجد انها تقع في تسع وثلاثين صفحة، وجاء في الغلاف (رواية الانتقام الطبيعي: رواية علمية أدبية أخلاقية اجتماعية). ويشير مؤلفها محمد نور عبدالله الجوهري انه يكتب (رواية صغيرة مراعيا في وضعها الشروط الروائية قدر الطاقة). أما موضوع الرواية فيدور حول شاب غني أنفق جل ماله في اللهو على نفسه وأصدقائه، وتحايل أحدهم واستولى على أمواله، ساءت حالته النفسية فقرر الانتقال من الطائف إلى مكة، وهناك شعر بالاستقرار، وتزوج بابنة أحد المقيمين، يلتقي مصادفة بصديقه الذي سرق أمواله وقد أصيب بأمراض أدت إلى وفاته وكأن هذه النهاية هي الانتقام الطبيعي.
حين النظر إلى الرواية من ناحية فنية فإنها دون ريب رواية على مستوى من النضج، في ذلك الزمن المبكر، من حيث التعامل مع الأحداث وترابطها، ومسار الشخصيات، خلال الأحداث التي تجري في مستوى حياتي واقعي إلى حد كبير.
وإذا كانت الإشارة قد سبقت إلى ضرورة تجاهل (التوأمان) على أساس انها لا ترتقي إلى مستوى الرواية، فإن الانتقام الطبيعي لمحمد الجوهري هي التي تستحق ان تكون تاريخا لبدء الرواية المحلية، وهذا يعني ان تاريخ بداية الرواية المحلية سيكون عام 1935.
وأما المؤلف فهو الطبيب محمد الجوهري من مواليد سنغافورة فترة وجود والده هناك للعمل في مجال الدعوة الإسلامية، درس الطب في جامعة القاهرة وتخرج فيها 1956م، وعاد للسعودية وأصبح مديراَ للصحة المدرسية في مدينة جدة عام 1967م، وبعدها بثلاث سنوات انتقل للرياض حيث عين مديراّ للصحة المدرسية فيها، وتوفي 1998م.

إيان ريد.. قصر الرعب النفسي
يقول الروائي الكندي إيان ريد عقب صدور روايته: نحن ننتشر (2022) -صدرت بترجمة عربية 2025- المتوقع تحويلها إلى فيلم: «إذا كان الناس يبحثون عن فيلم إثارة مباشر، فمن المرجح أن يُصابوا بخيبة أمل مع فيلم (We Spread)». «عادة ما تتضمن أفلام الإثارة لغزاً أو مأزقاً يُحل من خلال توجيهات خاطئة مختلفة. قد لا تكون نهاية فيلم We Spread واضحة للبعض. لديّ رؤيتي الخاصة لما يعنيه، وأودّ سماع آراء الآخرين».
ويضيف: «الروايات والسيناريوهات مختلفة تماماً، ويمكنك إعادة النظر في نفس القصة بطريقة جديدة». في الرواية، هناك أشياء يمكنك تجربتها، ولا يمكنك تجربتها في السيناريو الذي يقيده طول الرواية وميزانيتها. أما في الرواية، فالقيد الوحيد هو خيالك. لذا، من الممتع إعادة النظر في هذه القصص بطريقة جديدة وتجربة أشياء مختلفة.
(بيني) امرأة مسنة تعيش بمفردها في شقة، تقاسمتها ذات مرة مع شريكها، وهو رسام محترف، ولكن بعد وفاته، اختارت البقاء لتحتفظ بذكرياتها عنه. كانت بيني رسامة، وعاشت في عالم السريالية، لكنها لم تعرض أعمالها قط. مصممة على الاعتماد على نفسها، وترفض جميع عروض المساعدة. في أحد الأيام، سقطت وأُصيبت، فأخذها مالك العقار إلى دار رعاية المسنين (ستة أرزات). عندما سألته عن قراره بأخذها إلى هناك، أخبرها أنها وشريكها اتفقا على أن (ستة أرزات) ستكون وجهتهما عندما يحتاجان إلى المساعدة. بيني لا تتذكر أي شيء عن هذا الترتيب.
مأوى الستة أرزات يعود تاريخه إلى عام 1843، يقع في غابة، ولكنه لا يضم سوى ثلاثة مرضى مسنين آخرين ومساعدين. في البداية، قاومت بيني فكرة نقلها من منزلها، لكنها سرعان ما فوجئت بسرعة استمتاعها بمنزلها الجديد. تأكل جيداً، وتنام نوماً أفضل مما كانت عليه منذ سنوات، وتستمتع بصحبة السكان الآخرين. لكن بعد فترة، يبدو كل شيء جيداً لدرجة يصعب تصديقها، وتبدأ بيني بملاحظة أشياء غريبة. يتشوه مرور الوقت وتبدأ ذكرياتها بالتفكك. لا يُسمح لأحد بالخروج من المنزل، ويبدو أن ممراته يتغير شكلها من وقت لآخر.
يعيش الروائي إيان ريد في كينغستون، أونتاريو (كندا)، تخرج عام 2004 من جامعة كوينز في كينغستون، حيث درس التاريخ والصحافة. والده، هيو ريد، أستاذ لغة إنجليزية في جامعة كارلتون. وشقيقه، إيوان ريد، هو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Mission Control Space Services (Mission Control). بدأ ريد مسيرته في الكتابة بنشر مقالات وأعمدة في المجلات والصحف الوطنية بعد تخرجه من جامعة كوينز في كينغستون، أونتاريو. لفت انتباه صحيفة ناشيونال بوست، وحصل على مهمة كتابة عمود أسبوعي. في عام 2015، بدأ نشر أعماله في مجلة ذا نيويوركر.
أصدر روايات ثلاث: (أفكر في إنهاء الأمور) (2016، دار نشر سكوت/سايمون وشوستر)، (عدو) (2018، دار نشر سكوت/سايمون وشوستر)، (ننتشر) (2022، دار نشر سكوت/سايمون وشوستر).
وكتب أخرى: اختيار طائر واحد: عام في حياة شاب في العشرينات من عمره، مثقف، يعمل بدوام جزئي، ويعود إلى وطنه (2010، دار نشر دار أنانسي)، الحقيقة بشأن الحظ: ما تعلمته في رحلتي البرية مع جدتي (2013، دار نشر دار أنانسي).
يعلق ريد فيما صارت له حظوة تحويل كل رواياته الثلاث إلى السينما: «أعتقد أن الأمور سارت على هذا النحو في أعمالي الأدبية الثلاثة الأولى. أريد تجربة أشياء جديدة. من يدري، ربما تكون الخطوة التالية مسرحية مجتمعية صغيرة».

الكتاب: الجيل العثماني الأخير: صناعة الشرق الأوسط الحديث
المؤلف: مايكل بروفانس
المترجم: أحمد سالم سالم
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2025.
نشأ الشرق الأوسط الحديث من انهيار الإمبراطورية العثمانية، عندما قسّمت بريطانيا وفرنسا الأراضي العربية العثمانية إلى عدة دول استعمارية جديدة. كانت الفترة التالية فترة حافلة بالاضطرابات والتحولات. تحدى قادة الثوار - المدربون على التكتيكات العسكرية العثمانية، والذين كانوا على وشك خسارة كل شيء من سقوط الإمبراطورية - قوى الانتداب في عدد من الثورات المسلحة. هذه دراسة لهذه الفترة الحاسمة في تاريخ الشرق الأوسط، متتبعة إياها من خلال الحركات السياسية الشعبية وتجربة الحكم الاستعماري. وفي هذا السياق، يشدد بروفانس على الاستمرارية بين أواخر الحقبة العثمانية والعصر الاستعماري، شارحاً كيف نشأت الهويات الوطنية، وكيف زُرعت بذور العديد من الصراعات التي حدّدت معالم الشرق الأوسط في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. يُعدّ هذا الكتاب قراءة قيّمة لدارسي تاريخ وسياسة الشرق الأوسط.
يتكون الكتاب من ستة فصول على النحو التالي:
1 - الحداثة العثمانية في القرن التاسع عشر الطويل: تدريب موظفي الدولة وتكوين المواطنين.
2 - نظرية وممارسة الاستعمار في الشرق الأوسط ما بعد العثماني.
3 - خسارة الحرب وخوض غمار الاستيطان: تبلور الشرق الأوسط ما بعد العثماني، 1918 - 1922
4 - آمال وخيبات أمل عصبة الأمم: عودة الكفاح المسلح في حقبة ما بعد العثمانيين، 1923 - 1927 147-189
5 - الدساتير والمعاهدات الاستعمارية: العسكرة ما بعد العثمانية، 1927- 1936
6 - الأيام الأخيرة للجيل العثماني الأخير، 1936 - 1938.
وقد نال الكتاب الكثير من التقاريظ فيقول يوجين روغان، من جامعة أكسفورد: تاريخ جديد رائع يُجسّد الأسس العثمانية للشرق الأوسط الحديث في العقود بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. لقد شكّلت آمال وخيبات الأمل في فترة ما بين الحربين العالم العربي حتى يومنا هذا. بأسلوبه الآسر، يُعيد مايكل بروفانس إحياء هذه الحقبة لقراء اليوم.
وبيتر سلوغليت، من جامعة سنغافورة الوطنية: (هذا كتابٌ أصيلٌ رائع، وهو إعادة بناء دقيقة للانتدابين البريطاني والفرنسي في الشرق الأوسط كما عاشها معاصرو المنطقة).
وأما رشيد الخالدي، أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية الحديثة، جامعة كولومبيا فتعليقه مهم: (يبحث هذا العمل الرائع في كيفية تصوّر شعوب الشرق الأوسط لحاضرهم ومستقبلهم قبل كارثة الحرب العالمية الأولى، وما رافقها من مجاعة وموت، وانهيارٍ عثمانيٍّ واحتلال أجنبيٍّ أعادت تشكيل منطقتهم بالكامل. فبدلاً من النظر إلى السمات الرئيسة التي نفكر فيها عندما نسترجع القرن العشرين في الشرق الأوسط، يبدأ كتاب (الجيل العثماني الأخير وتكوين الشرق الأوسط الحديث) بآمال وتوقعات نخبة فيما أصبح يُعرف بالدول العربية المنفصلة وتركيا، والتي تشترك في كثير من النواحي في خلفية وتوقعات ونظرة مستقبلية مشتركة. إنه تفسير أصيل ومُنير للأحداث في منطقة لا تزال متأثرة بعمق بالتحولات التي يُصوّرها مايكل بروفانس ببراعة فائقة).
وأما ليلى بارسونز، من جامعة ماكجيل، كندا فتعليقها مجتزأ من مقالة: (كتاب مايكل بروفانس يُمثل كشفاً جديداً. إذ يتجاهل بروفانس المعتقدات التقليدية للقومية الدولة، ويضع قصة الشرق الأوسط العربي في النصف الأول من القرن العشرين في سياق المشهد العثماني المتأخر، مجسداً بذلك عالم الجنود والسياسيين والمثقفين الذين ناضلوا للتأقلم مع فقدان النظام العثماني، الذي اعتقدوا أنه نظام أكثر عدلاً من الدول القومية الاستعمارية التي فُرضت على الشرق الأوسط في أعقاب الحرب العالمية الأولى. هذا الكتاب، المُعتمد على بحث معمق وأسلوب نثري واضح وجذاب، يعد قراءة أساسية لكل من يرغب في فهم أعمق لتاريخ الشرق الأوسط الحديث).

الكتاب: تشريح السلطوية في الجمهوريات العربية
المؤلف: جوزيف ساسون
المترجم: رضوان زيادة
الناشر: شركة رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2025.
يخصص المؤلف الفصل الأول لمعالجة المذكرات السياسية كمصدر من مصادر البحث لدراسة العالم العربي، وهي المصادر التي أهملها غالبية المتخصصين في دراسة المنطقة، رغم الانتقادات التي توجَّه لها من حيث مصداقية معلوماتها. فتطرَّق إلى أنواع المذكرات السياسية والسير الذاتية، وعلَّل أسباب انعدامها، وأن وجود بعضها رغم قلته بإمكانه مساعدتنا على فهم شخصيات كُتَّابها، أكانوا زعماء، أو ناشطين، أو رجال أعمال، أو معتقلين سياسيين سابقين.
أما الفصل الثاني فيخصصه للحزب الحاكم، وسلطة الحكم في بلدان ذات الحزب الواحد، والدور المهم الذي يلعبه الحزب في إدامة الأنظمة القائمة، إلا أن العلاقة بين الزعيم والحزب والبيروقراطية تختلف من بلد لآخر. ولاحظ تداخلاً بين هيئات الحزب وأجهزة الدولة الأمنية. وقد خصص للعراق حيزاً مهماً، حيث يعتمد على الأجهزة الأمنية أكثر من الجيش. فالأجهزة الأمنية عُرفت بتضخم هائل في هذه البلدان، خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة.
وفي الفصل الثالث، يركز المؤلف على نواة النظام السلطوي وهم العسكر (الجيش)، حيث كان عاملاً فاعلاً وحاسماً منذ مرحلة الاستقلال في كل المحطات. فالعسكر هم النواة وقلب الحياة السياسية باستثناء تونس التي حُيِّد فيها الجيش منذ البداية. كما أن النزاعات والحروب ساعدت في بقاء العسكر في قمة السلطة وجمع الشعب حولهم.
وفي الفصل الرابع يؤكد على الدور الذي تقوم به أجهزة الأمن السرية، وهي حجر الزاوية في استمرار الأنظمة السلطوية. وقد لاحظ أن جميع هذه الأنظمة بصفة عامة تخاف الحركات الدينية. كما تكشف أن الأنظمة مخترقة بالمخبرين الذين يتزايد عددهم سنة بعد سنة. ويتحدث هنا عن نقطة مهمة، وهي أن كمية المعلومات المجمَّعة هائلة جداً، إلا أنها لا تعني أنها معالجة أو مستغلة بشكل جيد أو مستعملة بفعالية.
أما الفصل الخامس فقد خصصه لموضوع اقتصاد ومالية الأنظمة السلطوية، حيث لاحظ أن الحكام كانوا مهتمين بالبقاء في السلطة أكثر من اهتمامهم بشيء آخر. كما أنهم لم يكونوا مهتمين بوضع حد للفساد، إذ يؤرخ أنه ابتداءً من أواخر السبعينات بدأ الفساد يترسخ في الدولة والمجتمع، وتوطدت التحالفات مع النخب الاقتصادية والحكام. وقد ساعدت المداخيل الوفيرة في مكافأة الأنظمة لأتباعها، ما أدى إلى تدمير الاقتصاد لأن الهدف كان إدامة الأنظمة لا غير.
وفي الفصل ما قبل الأخير (السادس) يحلل شخصية الزعامة وعبادة الشخصية بهذه الأنظمة السلطوية، ولاحظ أنهم يتقاسمون عدداً من الخصائص، فبعضهم كان يعتقد أنه يحمل رسالة نحو شعبه، وقد لعبت البطانة دوراً مهماً في هذا الصدد.
أما الفصل السابع فكرِّس لمصير هذه الأنظمة بعد ربيع 2011، حيث يلجأ الباحث إلى إجراء مقارنة مع بلدان أخرى مشابهة لفهم هذه الصيرورة. وهنا يعالج ثلاث واجهات للانتقال: الحكامة وعلاقة الدولة بالدين، القضايا الاقتصادية والفساد، ومواجهة الماضي وكيفية التعامل معه. كما يخصص حيزاً مهماً للحالة العراقية بعد سنة 2003 كحالة نموذجية لما بعد السلطوية.
إن الدروس التي يستخلصها من المقارنة هي أنه عندما لا تواكب التغيرات السياسية آثار اقتصادية جوهرية، يبقى هناك خطر التراجع على المستوى السياسي، فالمصالح والامتيازات يمكن أن تعود لتسيطر وتمسك من جديد بالسلطة. فالانتقال الحقيقي لا يمكن أن ينجح إلا إذا كان هناك تصالح مع الماضي.

ذو صلة