ُعد الفخار جزءاً من التراث المصري القديم والحديث، ولا يزال يحظى بشعبية كبيرة في المجتمع المصري وخارجه، ويُسوق منتجات الفخار في الأسواق المحلية وتُصدر أيضاً إلى الأسواق العالمية، حيث يُقدّر الحرفية والجمالية الفريدة لهذه القطع، والتي تعكس قدرة الحرفيين على الابتكار والتواصل مع التحديات الحديثة. وتحمل صناعة الفخار في مصر تاريخاً غنياً وتراثاً عريقاً يمثل جزءاً مهماً من التراث الثقافي والسياحي للبلاد، فتجذب الورش والمحلات التي تصنع وتعرض الفخار السياح والمهتمين بالثقافة والتراث، وتساهم في تعزيز السياحة المحلية وتعريف الزوار بالتراث المصري العريق. فصناعة الفخار ليست مجرد عملية تصنيع، بل تعبير عن الهوية المصرية وثقافتها الغنية. وتهدف بعض المبادرات والمشاريع الحديثة إلى تعزيز صناعة الفخار في مصر من خلال توفير التدريب والدعم المادي والتسويق للحرفيين المحليين، وتعزيز قيمة وجودة المنتجات المصنوعة يدوياً.
أولاً: ماهية الفخار
هو فن الطين المحروق، حيث يُعرض الطين إلى درجات حرارة عالية لتجفيفه وتثبيت شكله، ويتم تشكيله بطرق مختلفة. ويختلف تأثير شدة درجة الحرارة في نوع الفخار الذي يتم تكوينه، وللفخار ثلاثة أنواع رئيسة: (الخزف- الفخار الحجري- البورسلان). وبالنظر إلى تقنيات صناعة الفخار الأساسية منذ آلاف السنين؛ بدأت الصناعة بطرق بدائية (صناعة الفخار باليد)، ثم تطورت (صناعة الفخار بالعجلة)، ثم (الدواسة الكهربائية) تطورت مع الوقت لتواكب تطور الصناعات والاكتشافات الحديثة.
ثانياً: ارتباط الفخار بالهوية الثقافية
تُعتبر صناعة الفخار واحدة من أقدم الحرف التي عرفها الإنسان، إذ تعود جذورها إلى آلاف السنين، فكانت تحظى بشعبية كبيرة في الحضارات القديمة مثل حضارة فينيقيا، حيث كان يُستخدم في التجارة والنقل، وحضارة دلمون في البحرين أيضاً باستخدام الفخار للأدوات اليومية، مما يعكس أهميته العملية في حياة المجتمع. وما يميز الفخار هو قدرته على دمج الفنون والوظائف العملية، مما يجعله رمزاً للابتكار الثقافي. كما أن هذه الحرفة تعكس تسلسل الحضارات وتطورها عبر الزمن، حيث تعد باقية على قيد الحياة بفضل الحرفيين الذين حافظوا على مهاراتهم وتقاليدهم.
فهو مرآة تجسد قيم المجتمع وهويته وتظهر في المناسبات الاجتماعية والدينية، مما يعزز الروابط الأسرية والمجتمعية، من خلال استخدامه لأواني الطهي أو التخزين للحصول على طعام صحي، مما يساهم في الحفاظ على الصحة الجسدية، أو استخدامه لصناعة الزهريات والأطباق الفخمة ذات الزخارف والتصاميم الفريدة، والتي تضفي لمسة جمالية على البيئة المحيطة، مما يعكس الفخر المحلي وإبداع الحرفيين، ويعزز التراث الثقافي بين الأجيال.
ثالثاً: تطور حرفة الفخار
بالنظر إلى صناعة الفخار، نجد أنها من أقدم الصناعات في تاريخ الإنسان، فقد تلت العصر الحجري وربما رافقته فترة من الزمن، ولكن هذه الصناعة لم تترافق مع دراسة تكوين الفخار، حيث إن مكتشفي صناعة الفخار الأوائل قد دهشوا من اكتشافهم وظنوا أن الآلهة أوحت لهم بها، أو هيأت لهم الظروف لكي يكتشفوا صناعة الفخار، فارتبطت هذه الصناعة بالإله الصانع للفخار. ومع الممارسة ترسخ مفهوم هندسي على الأقل هو شكل الدائرة المثالي الأكثر توازناً، والذي سعى الإنسان الأول بكل جهده ليتوصل إليه، وظلت فكرة الدائرة المثالية عند الفلاسفة اليونانيين، الذين جعلوا كمال الإله لا تناسبه إلا أفلاك دائرية، واستمرت هذه الفكرة عند (كوبرنيكوس وكبلر) نفسه الذي ظن في بادئ الأمر أن مدارات الكواكب دوائر، ثم دلته الأرصاد أنها ليست كذلك.
وما يُقال عن الفخاريات ينطبق على معظم الثقافات القديمة، خصوصاً الثقافات التي تمر بمرحلة تحول كيماوي (وبخاصة عند تعرض المواد للنار)، والتي تكون مهيأة للتأويلات السحرية أكثر من الثقافات التي لا تحتاج إلا إلى عمل يدوي مباشر (كالنسيج ونحت الحجارة).
وتؤكد البرديات والنصوص المصرية التي عُثر عليها في أنحاء متفرقة من مصر، أن بدء ممارسة النشاط الحرفي كان متزامناً مع بزوغ شمس الحضارة المصرية العريقة. وقد مارس المصريون القدماء قبل عصر الأسرات العديد من الأنشطة الحرفية مثل نماذج فخارية ومشغولات ذهبية، وتمتد صناعة الفخار بمنطقة مصر القديمة (الفواخير) خلف مجمع الأديان، وتحديداً في مدينة الفسطاط منذ الفتح العربي لمصر، وهي تحت وطأة حكم الرومان عام 517 - 639م بقيادة عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وفي هذا الوقت كان الأقباط يمارسون معظم الحرف مثل الزخرفة والخيامية والتطعيم، وظل الأقباط والمسلمون يعملون جنباً إلى جنب لحقبة زمنية طويلة تصل إلى خمسة قرون تعلم فيها المسلمون من المسيحيين أصول الحرفة.
وترجع الأصول العرقية للعمالة الحرفية بالفخار إلى عناصر بشرية قدمت إلى مصر قهراً كأسرى حرب، أو عناصر بشرية قدمت إلى مصر للاشتغال بالتجارة ثم استوطنت بها، أو عناصر قدمت بحثاً عن فرص عمل. وبعد افتتاح متحف الحضارة بالمنطقة وتطويرها، وضعت منطقة الفواخير على خريطة المزارات السياحية وبرامج تنشيط سوق الفخار على المستوى المحلي والعالمي.
رابعاً: تحديات وفرص
تبرز مجموعة من التحديات والفرص لصناعة الفخار في العصر الحديث، ويمكن إجمالها في:
- تكثيف ورش العمل: لتطوير المهارات لدى جيل جديد من الحرفيين.
- الترويج للمنتجات الفخارية: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الوعي بأهمية الفخار كجزء من التراث الثقافي.
- الحفاظ على التراث: الفخار يُعتبر تراثاً ثقافياً يتم توارثه عبر الأجيال ويساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية.
- عم الاقتصاد المحلي: تُعتبر صناعة الفخار مصدراً للرزق للعديد من الأسر، وتُساهم المنتجات الفخارية أيضاً في تعزيز السياحة الثقافية.
- الإبداع والفن: تمثل صناعة الفخار مكاناً للتعبير الفني، وتتيح للحرفيين مجالاً للتنافس في إنتاج قطع فنية فريدة.
- استخدام الآلات الحديثة: إدخال المعدات الحديثة مثل العجلات الكهربائية والأفران الرقمية يُسهم في تحسين دقة الإنتاج.
- التصميم الرقمي: استخدام برامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر (CAD) لابتكار تصاميم جديدة وأشكال فريدة تلبي احتياجات العملاء بشكل أسرع وأكثر دقة.
- التسويق الرقمي: وسائل التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية منصات رائعة لعرض المنتجات الفخارية، وتمكن الحرفيين من التواصل مع جمهور عالمي وزيادة المبيعات.
- التدريب عبر الإنترنت: استخدام المنصات الرقمية لتوفير دورات تدريبية لنقل المهارات التقليدية للأجيال الجديدة، مما يضمن استمرارية الحرفة وحيويتها.
___________________________
* باحثة في التراث والفنون التقليدية