مجلة شهرية - العدد (590)  | نوفمبر 2025 م- جمادى الأولى 1447 هـ

فن التلخيص

حين كنت على مقاعد الدراسة في الدبلوم التربوي، وزّع علينا الدكتور إبراهيم الماحي -رحمه الله- كتباً، وطلب منّا أنْ يلخص كل واحد منّا كتابه في صفحة واحدة فقط!
حاولت في البداية وفشلت، ثم حاولت وفشلت مرة أخرى، فطلب منّي -رحمه الله- قراءة الكتاب بتأنٍ شديد، ثم تلخيص أفكاره في صفحة واحدة بحيث لا يكون تلخيصاً مخلاً.
وأفادني الموضوع كثيراً فيما بعد في رحلتي الصحفية والأدبية بشكل عام، وبات تلخيص أي كتاب أقتنيه مهماً بالنسبة لي.
وعرفت أنّ ترك صفحات فارغة في مؤلَّف ليس اعتباطاً، وإنما لتسجِّل فيه ملاحظاتك وملخص الكتاب. ولما جاءت الكتابة على الحاسوب فعلت ذات الشيء مع الكتب الإلكترونية، حيث بات التلخيص (Summary)، وكتابة الملاحظات، من أهم الأشياء التي تعملها أثناء قراءتك لكتاب ما.
التلخيص مهارة تفتقر إلى لغة عالية، وتكثيف الأفكار، في أقل الكلمات دون الإخلال بمضمون الكتاب أيّاً كان الكتاب، وعندي أنّ القراءة بلا تلخيص لا معنى لها، وهي شيء من التسلية أو العبث، وهي تطلب مهارات فهم عميق، وكتابة أعمق، وتنظيم فكرة، ولا بد من فكرة أساسية لكل كتاب، ويجب أن تظهر في تلخيصك، ولا بد أيضاً من الدقة والأمانة في التلخيص.
أعطيت الذكاء الاصطناعي كتاباً هو مئة عام من العزلة للكاتب الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز، فقط أعطيته العنوان ولم أزوده بالكتاب، فبحث عنه في الإنترنت ولخصه في ثلاث صفحات تقريباً، ثم قلت له لخصه في صفحة واحدة، ففعل دون الإخلال بالمعنى، وكنت قد لخّصت الكتاب من قبل عندما قرأته مترجماً لصالح علماني -رحمه الله- ففاق الذكاء الاصطناعي تلخيصي بمراحل!
وهذا يعني أنّ الأجيال المعاصرة والقادمة لديهم فرصة أكبر من أجيال ما قبل الذكاء الاصطناعي في التلخيص واختصار الوقت بفضل الذكاء الاصطناعي.
وخير مثال على التلخيص الدقيق، الذي يوفِر فيه الكاتب خبراته التربوية والأدبية، هو تلخيصات الصديق الشاعر إبراهيم زولي في كتابه الجميل (ما وراء الأغلفة.. روائع القرن العشرين) الذي لخص فيه ثلاثين كتاباً مختلفة، بشكل رائع وأخاذ.
ذو صلة