مجلة شهرية - العدد (570)  | مارس 2024 م- شعبان 1445 هـ

حاضرة حضرموت: المَكْلأ، لا المُكَلّا

أعلمُ عِلمَ اليومِ والأمسِ قَبلهُ بأنَّ الناس، بعامة، يقبلون بالمشهور، بل يميلون إليه، (حتى ولو غاير المعلوم من الصحيح).
ومن هذا كانت محاولتي هنا لإبراز النطق الصحيح لاسم المدينة العربية التليدة (المكلا)، في جنوب شبه الجزيرة العربية. وهذه المدينة اليمنية، المكلا، يأتي اسمها مشهوراً عادة بِضمِّ الميم وتشديد اللّام، وينتهي بألفِ المَد، وبدون همزة، في شكل: (المُكَلّا).
إلّا إني أرى أن صحيح التسمية هو (المَكْلَأ)، بفتح الميم وبالألف بالهمزة في آخره. بمعنى: مَوضع الحِفظ والأمان، والمرفأ والرفاء والملجأ والملاذ: Haven، وذلك للقوارب والسواعي والسُّفن، آخذاً في الاعتبار لطمات البحر لسفن الشحن والنقل وقوارب الصيادين، وحاجة الجميع إلى جهة ساكنة تأويهم من عنفوان البحر وأمواجه.
وبنفس هذا المعنى كانت كلمة Haven في اللغة الإنجليزية، كما في اسم الميناء الأمريكي الشهير: نيو هيفن New Haven، بولاية كنتيكت، وكذلك في اسم الميناء الهولندي لاهاي The Hague، ومعناه الملجأ والملاذ. وكذلك الميناء الأوروبي الشهير، كوين هاكن Copenhagen، في مملكة الدَّنمارك، hagen بمعنى مرفأ، فيأتي اسمُ هذه المدينة الأوروبية الشهيرة ليعني: (ملجأ قوارب الصيادين).
ففي مثل هذه الجهات، كانت الأمواجُ العاتية السببَ المباشر وراء إقامة هكذا (ملاذات آمنة) لمختلف القوارب، سواءً لمواجهة أمواج وتقلبات شرق وغرب بحر الشمال والمحيط الأطلسي في أوروبا، أو في سواحل جنوب شبه الجزيرة طيلة موسمٍ متصلٍ بأمطار المونسون Monsoon، أو ما ينعته أهل سلطنة عُمان بلفظة (الخريف)، أمام بحر العرب، وامتداداً من المحيط الهندي في وقت هيجانه.
فإزاء هذا وذاك كان معنى (البُنية الحامية المُجابِهة). ويبقى المعنى واحداً: المرفأ، الملجأ، الملاذ: (المَكْلأ).. وليس المُكَلّا.
ومع أن المرحوم الفنان السوري فهد البَلان، كان قد اطربنا قبل خمسين عاماً بأغنيته الشهيرة:
(يا بَنات المُكَلّاّ،
يا دَوا كُلِّ عِلّة
يا سَقا الله، رَعا
الله.. والمَحبة بَليّة).
فإنّ صحيح لفظ الاسم هنا هو (المَكْلأ): بمعنى موقع الحِمى، المرفأ والملاذ، ويأتي لفظ المَكْلأ من الفعل (كَلأَ)، (يَكلأُ): يحفظُ/ يَرعىَ ويَصونُ.
وعسى الله أن (يَكلَأكُم) جميعاً بِعنايتهِ.

ذو صلة