مجلة شهرية - العدد (591)  | ديسمبر 2025 م- جمادى الثانية 1447 هـ

لحظات شوق

جاءني صوتها ينساب رقيقاً إلى مسمعي كخرير جدول ماء صاف عذب، أحسست في نبرة صوتها بشيء يشدني إليها، وبرجفة قوية تزلزل كل كياني، وبنبضات قلبي تزداد في اضطراب، بللت ريقي في صعوبة، وحاولت جاهداً أن أتمالك نفسي، ومازال ذلك الصوت الحنون ينساب إلى مسمعي ألو.. ألو.. قلت: نعم، جاءني صوتها من جديد يشوبه بعض الغضب.. ألم تسمعني؟ وتابعت: مَن المتحدث؟ قلت: أنا محمود! بنبرة استغراب قالت: محمود مَن؟ قلت: محمود المعجب.. وتابعتُ أقصد محمود عبدالسلام، يا نجلاء، ندت عنها ضحكة هادئة أشبه ما تكون بابتسامة حانية، ثم قالت: ما بك يا أستاذ محمود؟ هل أنت بخير؟ قلت: بصراحة اعذريني عندما أسمع صوتك لا أشعر أني بخير، ماذا قلت؟! قلت: لا أعرف كيف أعبِّر عما في نفسي، لكني أحسُّ بأني إنسان آخر، وفي عالم آخر، ضحكت بصوت أزال كل ما يثقل صدري من مخاوف وتساؤلات عدة.. وتابعت ألهذا الحد أنا مؤثرة؟! ضحكتُ على إثر كلمتها ثم قلت: بل إنك قد أسرتني بكل شيء فيك، أقصد أني بالفعل أودك ومن قلبي، بل إن كل جوارحي تهيم بك حباً.
مرت ثوان كان الصمت فيها قد ترك لكل منا مجالاً ليحلق بخياله بعيداً، قطعته بعد ذلك بسؤالها الذي أيقظني من أحلامي اللذيذة التي حلقتُ بها معها وهي تقول: وماذا بعد؟ قلت: بصوت ملؤه الحبور والنشوى، لا بعد ولا قبل، يا عزيزتي، لن أصبر أكثر من ذلك أريد أن نتفق الآن على موعد عقد القرآن، الأيام تمضي كالحلم، وأيامنا في هذه الدنيا معدودة، وأنا أريد أن أقضي قربك أطول مدة ممكنة، وأحس بأني أعيش معك أعذب أيام العمر، وأحلى ليالي الود والسعادة، قبل أن يداهمني هادم اللذات ومفرق الجماعات. بصوتها الشجي الذي غلبه حزن بدا متجلياً في نغمة صوتها، قالت: فال الله ولا فالك. كن متفائلاً ستعيش بإذن الله عمراً طويلاً سعيداً، وسأعمل على إسعادك وراحتك حتى تشعر بالشباب والقوة من جديد وكأنك في مقتبل العمر، وأوج فورة الشباب. ضحكت من قلبي بسعادة لا توصف. قلت لها: هل أعتبر هذا وعداً منك؟ أجل اعتبره كما تريد. قلت: هذا يعني أن مشاعرك نحوي بدأت تندمج مع مشاعري، وفكرك يتحد مع فكري، وهذا شيء يسعدني كثيراً، ويملؤني بالتفاؤل والسرور. قالت: بل قل إنها صورة طبق الأصل من مشاعرك، حتى إذا ظهر أي خطأ في الصورة فيما بعد، الخطأ يعود لك لأن الصورة طبق للأصل.. أليس كذلك؟! ضحكت بسرور بالغ لمرحها وذكائها وتأويلها اللطيف، وتمنيت لو أنها قربي لأخذت يديها بين يدي وقبلت أناملها التي تكتب أجمل الكلمات، وأرقَ العبارات وأصدق العواطف، ولقبلت رأسها الذي يكن فكراً عبقرياً، وعقلاً مفكراً.
مضت لحظات وأنا هائم في خيالي العذب محلق في سماء الأماني الحلوة، حتى أعادني صوتها الرخيم يتساءل ما بك؟ لم تعلّق بشيء؟ ندت مني آهة محملة بأقوى أمواج الشوق العاصف ثم قلت: يا أملي وهل تركت لي أي مجال للتعليق؟! لقد ذهبت بخيالي بعيداً، ألم أقل لك إنني معك أشعر بأني إنسان آخر وبأنني في عالم آخر، لكن لم تجيبي عن سؤالي هل نعقد القران قريباً؟ سيكون لك ما تريد ولكن..؟ ولكن ماذا؟ قالت: أريد بعد ذلك أن تمهلني بعض الوقت أعني تنتظر عدة أسابيع؟ ولماذا الانتظار؟ هل نسيت أن الأمر يحتاج لفترة تجهيز واستعداد؟ تنهدت، في راحة ثم قلت: لم أنسَ ذلك، لك ما تريدين، لكن لا تطيلي الوقت، سأفعل ما في وسعي لأختصر الوقت.
ودعتها بشوق واطمئنان على أن نلتقي من جديد عبر مكالمة أخرى تحدثني فيها عن جديد الاستعداد.

ذو صلة