مجلة شهرية - العدد (590)  | نوفمبر 2025 م- جمادى الأولى 1447 هـ

القراءة في عصرنا

في عصرٍ ازدحمت فيه الأجهزة الإلكترونية، وصار فيه الهاتف ملازماً للشخص كظله، أصبحت القراءة من الممارسات التي تكاد أن تكون معدومة في عصرنا، ويبدو أن هذا العزوف عن القراءة عند أغلب المجتمعات له عدة أسباب، ولكن أبرزها هو الملل، والرغبة في أخذ المعلومة بشكل مباشر بدون شرح أو مقدمات، كما تفعل محركات البحث في عصرنا بضغطة زرٍ واحدة، فيقول أحدهم: لماذا أقرأ كتاباً من 300 صفحة لاستخراج عدة معلومات بينما يمكنني أن أجدها وبكل سهولة بضغطة زر! ولكن للأسف، من يتبنى هذا الفكر يضيع على نفسه كنوز القراءة الثمينة، فالقراءة لا تعطي المعلومات فقط، بل تقوّم اللسان، وتعزز القدرات العقلية مثل الذاكرة والتركيز، وتوسع المعرفة وتفتح الآفاق.
ولا يمكن أن تتقدم أمة بدون القراءة والكتاب، وهذه معادلة واضحة للجميع، ولا ننسى أن القراءة، كما قال الأديب المصري عباس محمود العقاد رحمه الله: (القراءة تضيف إلى عمر الإنسان أعماراً أخرى). القارئ لا يكتفي بأن يعيش حياته فقط، بل يعيش أعماراً وأزمنةً أخرى، فمن يقرأ عن التاريخ سوف يجد نفسه متنقلاً بين العصور التي يقرأها وهو في مكانه. والحقيقة، عندما أرى مجتمعاتنا العربية والإسلامية من أقل المجتمعات في معدلات القراءة، لا أجد وصفاً لهم إلا أن أقول: (أمة اقرأ لا تقرأ). وللأسف الشديد، هذه هي الحقيقة المؤلمة، بعد أن كنّا رواد العلوم والقراءة، أصبح الواحد منّا يدفن رأسه في جهازه، ويظل على هذا الحال لساعات، بل ربما لأيام! هذا حالنا بعد أن كانت البيوت مليئة بالكتب من شتى المجالات، ولا تدخل إلى بيت إلا وفيه مكتبة تحتوي على أمهات الكتب.
وكما ذكر تقرير التنمية البشرية الصادر عن اليونسكو أن كل 80 عربياً يقومون بقراءة كتاب واحد سنوياً، بينما يقرأ المواطن الأوروبي 35 كتاباً في السنة. فلا وجود للكتب في حياتنا إلا من رحم الله!
والحقيقة، بالرغم من حجم المشكلة وخطورتها، إلا أن الحل بسيط وسهل جداً، ويكون بغرس حب القراءة في الأطفال منذ الصغر، فتصبح عادةً لديهم لا ينفكون عنها. وإضافة إلى ذلك، يُفضل تقنين أوقات استخدام الأجهزة الإلكترونية لديهم، وبهذا يكبر الطفل محباً للقراءة والكتاب، حاملاً رسالة العلم الخالدة.
ذو صلة