مجلة شهرية - العدد (590)  | نوفمبر 2025 م- جمادى الأولى 1447 هـ

عباس العقاد قبل (60) عاماً:

في أوائل السبعينات الهجرية وتحديداً بتاريخ 2 صفر عام 1365هـ - يناير 1946م كان الشوق والتوق يسابق أولئك النفر القليل من أدباء المملكة العربية السعودية الذين تنادوا لرؤية تلك القامة الأدبية الفكرية الثقافية التي عمت شهرتها ومواقفها الشجاعة وآراؤها الصريحة أرجاء العالم (عباس محمود العقاد) والالتقاء به عند قدومه للأراضي المقدسة مكة المكرمة ضمن وفد بعثة الشرف المصرية القادم لمرافقة جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله في زيارته الرسمية الأولى لمصر، وكانت هذه الزيارة تعد الأولى والأخيرة لعباس العقاد للسعودية ولم يزرها مرة أخرى.
وعندما وصلت البعثة المصرية على متن اليخت الملكي (المحروسة) إلى ميناء جدة جرى لها حفل استقبال رسمي حضره عدد من الأمراء وكبار المسؤولين وألقيت فيه عدد من الكلمات والقصائد الترحيبية ومن ضمنها قصيدة ترحيبية لأحمد إبراهيم الغزاوي شاعر جلالة الملك وعضو مجلس الشورى آنذاك قال في مطلعها:
مرحباً (بالوفد) من (مصر) العلى
من حمى (الفاروق) ذي المجد الأثيل
مرحباً -هذا شعاع- مقبل
من ضحى الشمس من (ملك) جليل
مرحباً أهلاً وسهلا - بالأُلى
يسكبون النور، في هذا الأصيل
(بعثة) (التاج) إلى (التاج) الذي
رمزه التقوى وعرفان الجميل
وبعد انتقال البعثة في اليوم التالي من جدة إلى مكة المكرمة حيث كان الملك عبدالعزيز مقيماً بها ووصولهم للأراضي المقدسة انتهز أغلب أعضاء البعثة الفرصة لأداء مناسك العمرة، وعند دخول عباس محمود العقاد أرض الحرم ورؤية البيت العتيق تأثر تأثراً كبيراً وهو يراه لأول مرة، وقد صور الأديب والشاعر السعودي فؤاد إسماعيل شاكر رجل التشريفات الملكية في عهد الملك عبدالعزيز والمشرف على استقبال بعثة الشرف المصرية كيف كانت حال العقاد ساعتها وما كان يختلج داخله من أحاسيس ومشاعر روحية استشعر فيها قدسية المكان وجلال هذه الأراضي الطاهرة وصورها لنا في عدة أبيات فقال:
إني لأذكره مشى
في البيت بين الطائفين
في بطن مكة في شعا
ب المروتين وفي الحجون
يمشي مهيباً في الجما
عة وهو مرفوع الجبين
ويغض من إبصاره
في البيت عند الخاشعين
ومنذ أن حل عباس محمود العقاد في الرحاب الطاهرة بـ (فندق بنك مصر) بمكة المكرمة أقبل عليه الكثير من الأدباء ورجال العلم والكثير من المعجبين بأدبه للسلام عليه والترحيب بمقدمه والجلوس إليه والاستفادة من مجلسه وحديثه الشيق، وكذا الاحتفاء به والتعبير له عن إعجابهم بشخصه وتأثرهم بفكره وأدبه، وقد دار بينه وبينهم الكثير من الأحاديث والنقاشات حول حركة الأدب والشعر في السعودية والعالم العربي، وكان من أبرز هؤلاء النفر القليل من الأدباء والشعراء الذين فازوا بهذا اللقاء كل من: أحمد عبدالغفور عطار، محمد حسن عواد، أحمد قنديل، عبدالسلام الساسي، أحمد محمد جمال، حمد الجاسر، عبدالعزيز الرفاعي، إبراهيم أمين فوده، عبدالله عريف، كما أتيحت لهؤلاء النفر الفرصة مرة أخرى للالتقاء به في جريدة (أم القرى) عندما زارها بترتيب من رئيس تحريرها آنذاك ورئيس التشريفات الملكية الأستاذ فؤاد شاكر، وقد عبر عباس العقاد في هذه الزيارة عن صادق مشاعره وانطباعاته ورؤيته لمستقبل الأدب والأدباء في السعودية فقال: «إنني شعرت منذ أن هبطت بلدكم المقدس بالحفاوة والتكريم، وإنني أشكر لكم حفاوتكم بي وهي حسبي، وهي عندي أعظم من حفلات التكريم، ولقد وجدت هنا شباباً ناهضاً يصبو إلى الأدب والفن والعلم، شباباً ناهضاً دائب الدرس والتحصيل، متابعاً الحركة الأدبية باهتمام لا مزيد عليه، وهذا شيء يجعلني مطمئناً إلى أن لهذه البلاد مستقبلاً أدبياً وإنني لواثق أن وثبتكم الجديدة ستعيد إلى بلادكم سمعتها الأدبية الأولى».
وخلال هذه الزيارة كان للشعر السعودي حضوره ودوره في الترحيب بضيف البلاد ونابغة عصره الأديب الموسوعي عباس محمود العقاد فألقى الأديب الشاعر محمد حسن عواد قصيدة ترحيبية بهذه المناسبة قال فيها:
يا إمام البناة للأدب الحي
(بمصر) وشاعر الأجيال
أطربتنا على السماع لحون
منك سامرتنا طوال الليالي
فتسامى إيماننا بك فنا
ناً رفيع الذرا شديد المحال
وهتفنا هذا هو الفن، هذا الش
عر، هذا السنا سر الجمال
وأضفنا به إلى المثل الحية
مما رسمت خير مثال
وشاركه في ذلك الأديب أحمد محمد جمال ببعض الأبيات الترحيبية التي أشار فيها الى إعجابه الشديد وتأثره الكبير بشخصية العقاد وأسلوبه في الكتابة والبيان وفي ذلك يقول:
آمنت غير منافق ومكاذب
آمنت (بالعقاد) أبلغ كاتب
يزهو بك الشرق الحديث بنهية
نقادة لخواطئ وصوائب
أسلوبك السلسال أسحر أخذة
نحو الرشاد لحائر ولرائب
ثم يمضي في قصيدته مشيداً أيضاً بشاعريته وفلسفته وأسلوبه الرصين فيقول:
في شعرك الأخاذ فلسفة الهدى
لخواطر فضلى وغر مذاهب
ولصوتك النفاذ عبر مسامع
ومجامع الأذهان: رهبة راهب
آمنت (بالعقاد) أفطن شاعر
وأرن خطاب وأبين كاتب
ومن جانبه انبرى الشاعر عبدالسلام هاشم حافظ للدفاع عن عملاق الفكر لكل المناوئين له بقصيدة عنونها بأديب الشرق وسبقها بعبارة قال فيها إلى القمة التي تتحطم عند سفحها كل الزاوبع والأعاصير - الأستاذ عباس محمود العقاد وأنه سيظل كالطود الشامخ والشمس المشرقة واصفاً إياه بعبقري الجيل فقال:
عبقري الجيل ضل الشانئون
قد تمادوا في التجني والظنون
ما ادعوا إلا لجهل أو غباء
هؤلاء الواهمون الساهمون
هل دروا أن العلا صعب المنال؟
يا عظيماً فكره غذى السنين
سوف تبقى ملهم الأجيال فينا
قمة شماء تزهو كل حين
لن تنال الريح منها لو تغالت
هل يضير الشمس هزء الساخطين
وفي موضع آخر من قصيدته يتحدث الشاعر عن عطائه ونتاجه الفكري الخصب الذي وصل إلى سبعين كتاباً توجها بسلسلة كتبه المشهورة عن العبقريات فيقول:
يا رعاك الله كم انتجت ذخراً
واستفاضت عنك ألوان الفنون
(عبقريات) تأليف عجاب
صغتها، والروح يملي أو يبين
هذه السبعون كنز الفكر فيها
نصف قرن في جهاد لا يلين
أنت يا (عقاد) للآداب فخر
حسبك التاريخ تذكار أمين
عش أديب الشرق عملاقاً حكيماً
تنشد الغايات من أسمى معين
وفيما وصلت كتب العقاد بعد وفاته إلى (100) كتاب فإن الشاعر السعودي محمد حسن فقي يؤكد بأن العقاد لم يبخل على الفكر العربي ولا على الفصحى من خلال هذه المؤلفات الخالدة فيقول:
وقدمت للفصحى وما كنت باخلا
ثمانين بشرى تستفز البشائرا
ثمانين كانت للنواظر قرة
وللفكر كانت لحمة وأواصرا
كما يشيد الفقي أيضاً بعبقريات العقاد الخالدة حتى اليوم رغم رحيله قبل ما يقارب (60) عاماً والتي اعتبرها كنوزاً وذخائر خالدة أعجزت كثيراً من الأدباء والمفكرين في أن يأتوا بمثلها، بما تمثله من فصل الخطاب وما احتوته من حجج دامغة للمعارضين والمناوئين له فقال:
ففي عبقريات الخلود صحائف
من المجد لم تعرف لهن نظائرا
كأن السطور الحاليات موائد
حفلن بما يرضى الحجى والضمائرا
عرفنا بها فصل الخطاب وأزلفت
لنا حجج تعيي الخصيم المنافرا
لك الله يا عباس كيف ابتدعتها
فأمست كنوزاً عندنا وذخائرا؟!
تمنى رجال أن يجيئوا بمثلها
وهيهات فالأصداف ليست جواهرا
ويتحدث أيضاً الشاعر السعودي عبدالله الشبانة عن أهمية هذه العبقريات وما قدمته للمشهد الثقافي من نماذج مشرقة لبعض الشخصيات التي تحدثت عنها بكل عمق وموضوعية وإبداع فيقول:
(فالعبقريات) التي ألفتها
كشفت لنا عمن هم الأبطال؟
قدمت فيها للحياة نماذجاً
عليا وليس كما الرجال رجال
السعوديون في صالون العقاد
ولم تقف علاقة الأدباء السعوديين بعباس محمود العقاد عند تلك الزيارة الوحيدة بل التقوا به في عدد من اللقاءات ومنها حضورهم الفاعل في صالونه الثقافي الشهير الذي كان ينتظم أسبوعياً بداره بالقاهرة وكان يؤمه عدد كبير من المثقفين المصريين والعرب والأجانب وطلاب الجامعات وسبق أن كتب عنه تلميذه النجيب أنيس منصور كتابه الشهير (في صالون العقاد كانت لنا أيام)، وقد أشاد بهذا الصالون الأديب السعودي عبدالله بن خميس لدى حضوره مناسبة ذكرى وفاة عباس العقاد الأولى حيث اجتمع بعدد من أدباء مصر ورواد هذا الصالون مشيداً بالعقاد ومكانته الأدبية والفكرية وأثره على أدباء المملكة وقال في ذلك:
ندوة (العقاد) يا خير ندى
في المعالي والخلود الأبدي
سنها رب البيان العربي
لسرى من سرى في سري
وكما أشار الشاعر السعودي عبدالله الشبانة إلى جوانب مما كان يدور في هذا الصالون الرفيع الذي كان يتسيده بكل اقتدار وشموخ عباس العقاد ويجيب فيه على كل ما يطرح من تساؤلات في كافة مناحي الآداب والعلوم والفنون ومناحي الحياة المختلفة فيقول:
ومجالس (العقاد) أو ندواته
لا ينتهي في ساحها التسآل
هذا عن الأدب القديم سؤاله
وعن الحديث من العلوم سؤال
فيجيب (عباس) إجابة قادر
متمكن وجوابه ينهال
وأتى حرص الأدباء السعوديين للمشاركة في صالون العقاد وغيرها من الندوات واللقاءات الفكرية والأدبية التي تقام بالقاهرة نتيجة لرغبة ملحة وجامحة في توسيع نطاق المعرفة والثقافة وتعزيز مكانة الأدب السعودي وإعادته إلى عهوده الزاهرة، والاستزادة من معين العلم والثقافة الخصب في كل الميادين، وتأكيد قدرة الأدباء السعوديين على الوقوف بشموخ أمام نظرائهم من أدباء مصر ومشاركتهم الهم الأدبي والثقافي العام، إلى جانب حرص البعض منهم على طبع ونشر إنتاجه وإبداعه الأدبي في مصر التي كانت ومازالت مصدر إشعاع فكري وحضاري للعالم، وكانت الصدر الرحب لكل أديب ناشئ يطرق أبوابها طمعاً في تعضيد موهبته والاحتكاك بكبار رموزها ومفكريها ومدارسها الإبداعية المتعددة.
الشعر السعودي يودع عباس العقاد
وإذا كان العباقرة والعلماء والعظماء هم صورة مشرقة لتقدم البشرية والأخذ بيدها إلى الطريق السوي وحياة النور والرخاء والاستقرار، فإن الموت لن يغيبهم عن أنظار الناس وسيظلون يعيشون في ضمير العالم يهتدون بما ورثوه من أمجاد وعلوم نافعة ومأثر خالدة جيلاً بعد جيل.
ولقد ترك رحيل العقاد إلى دار الخلود يوم الخميس 28 شوال 1383هـ الموافق 12 مارس 1964م ندباً كبيراً في قلوب كل من عرفوه وأحبوه وتتلمذوا على فكره وأدبه، وكان لوقع الخبر صداه الكبير والمؤلم في أرجاء العالم العربي عندما تناقلته الإذاعات العربية واعتبروه رزءاً عظيماً أصاب الأمة، وفي السعودية انبرى الكتاب وحملة الأقلام والشعراء ووسائل الإعلام المختلفة تنثر ما أصابها من أسى ولوعة على رحيله كما قال الشاعر السعودي محمد السنوسي:
أي رزء ذاك الذي فجع الكتاب
في كاتب من الرواد
همس البرق نعيه فتهاوى
كل قلب من روعه وارتعاد
وأفاقوا على الحقيقة (والمذياع)
يهتز من فم رعاد
رحم الله ذلك الكاتب العملاق
في كل مذهب واعتقاد
ويترحم على أفول نجمه الساطع الشاعر محمود عارف فيقول:
رحم الله أديباً في الدنا
عاش للناس بكنز الأدب
وسقى الله ثراه وابلاً
من نعيم خالد مرتقب!
ذهب (العقاد) نجماً ساطعاً
رحم الله أديب العرب!
ويجسد شاعر البلاط الملكي السعودي الشيخ أحمد إبراهيم غزاوي مدى عمق الألم ومشاطرة أدباء المملكة بهذا الفقد العظيم ومؤكداً أيضاً على عمق وقوة الروابط والعلاقة التي تربط ما بين شعبي وحكومتي المملكة العربية السعودية ومصر فيقول:
فجعت بك الفصحى وحق بكاؤها
فكأنما (أسوان) منك جياد؟!
إن ريع (وادي النيل) فيك موسداً
فلقد نعاك الشرق وهو حداد؟!
ما نحن إلا و(الكنانة) راحة
يمنى وزند واحد وزناد
ولإن بكت فيك إمراءً ما مثله
إلا عباقرها الألى الأطواد
فلنحن فيك عيونها ودموعها
ولأنت منها الكوكب الوقاد
ويرثيه أيضاً رجل التشريفات الملكية الإعلامي والأديب الشاعر فؤاد شاكر فيقول:
شيخ الكرام الكاتبين
أمسى بحفرته رهين!
بالأمس جلجل صوته
واليوم قد سكت الأنين!
(عباس) في السبعين أو
دى وهو كابن الأربعين
شيخ الشباب فتوة
وفتى الشيوخ العاملين
حمل اللواء ولم ينوء
بالجهد من عبء السنين
وفي صورة رائعة ومقارنة بديعة يرثي الشاعر إبراهيم أمين فوده العقاد موجهاً خطابه لمدينة (أسوان) مسقط رأس العقاد والتي نشأ وترعرع فيها ويشبهه في نضاله وجهاده الطويل كالسد العالي بأسوان الذي يقف شامخاً على مدى الأزمان فيقول:
(أسوان) يا بلد (العقاد) و(السد)
كلاهما ذروة في الجد، والكد
إحداهما ذروة الأمجاد يصنعها
وعي الشعوب، وأخرى.. صنعة الفرد
كلاهما.. مضرب الأمثال، رائعة
في صنعة المجد، عن وعي، وعن عمد
في صورتين.. هما (العقاد) في بشر
والسد في عمل بالحق معتد
ثم يمضي في رثاء العقاد موجها تعزيته لمدينة أسوان فيقول:
فهل نعزيك في (العقاد)؟ لا أبداً
إنا نراه تخطى الموت للخلد
ما مات من كان (كالعقاد) مدرسة
للناس تقصد من ولد إلى ولد
ما مات من كان (كالعقاد) ظاهرة
للعصر تفضح عن حال وعن جهد
ما مات من كان (كالعقاد) مئذنة
للفكر، عالية في القرب، والبعد
ويمتدح الشاعر عباس العقاد ويؤكد على نبوغه وعبقريته الفذة ويرى أنه لم يكن له ند في زمانه سوى ابن حزم الأندلسي أكبر علماء الإسلام تصنيفاً وتأليفاً أو الأديب أبي عثمان الجاحظ فيقول:
قل النديد له في كل طائفة
من الزمان وما في الجيل من ند
إذا عددنا ابن حزم في نوابغنا
والجاحظ الفذ (فالعقاد) من بعد
ويصف الشاعر تركي العصيمي العقاد في معرض رثائه بأنه أرسطو عصره، وأنه شهيد العلم كونه سخر حياته كلها للعمل والعلم النافع فيقول:
مات الذي سحر الأنام كلامه
ما فيه إلا حكمة وسداد
هو في حقيقته أرسطو عصره
شهدت بذاك صحائف ومداد
ما للعباقرة العظام قلائل
فرد نراه وينطوي أفراد
قد مات (عباس) العظيم مواصلاً
نشر العلوم فموته استشهاد
ولقد قضى عمراً مديداً كله
عمل وعلم نافع وجهاد
ويرثيه الشاعر عبدالله الشبانة موضحاً جوانب من عطائه الفكري وتميزه في العمل الصحفي وكتابة المقال والشعر والرواية المتمثلة في رواية (سارة)، وكذا جهاده الطويل في الذود عن الدين الإسلامي وإجلاء حقائقه، وما سطره من سير الرموز والأعلام الإسلامية الخالدة فيقول:
حسب الثقافة من عمر عاشه
آتى الثمار فكله أفضال
بل حسب هذا الدين منه دفاعه
عنه وذود عنه واستبسال
سل عنه إن تجهله (سارته) التي
هي في مجال القصتين مثال
ولقد مضى (عباس) طوداً شامخاً
تهذي به الأسماء والأفعال
تبكي عليه صحائف ومدادها
وقصيدة ورواية ومقال
أبلى يدافع بالشباة عن الهدى
عن دينه إذ ضامه الأنذال
يجلو حقائقه ويدمغ جاهداً
شبه الخصوم ومن به استشكال
وختاماً فرحيل العقاد عن دنيانا لم يكن من وجهة النظر الفكرية بالأمر اليسير على قلوب المثقفين المنصفين، وليست بالحدث الذي ينسي في لحظة ما، ولو نسي العقاد الإنسان لما نسى العقاد العبقري وما تركه لنا من آثار هي من الثقافة الرفيعة في الذروة، ولا يبيح لنا ذلك حتى وإن اختلفت أو اتفقت الآراء حوله أو ضد مواقفه وخصوماته ومعاركه الأدبية أن ننكر دوره المهم في تشكيل وعي المجتمع العربي والارتقاء بذائقته الأدبية بما أنتجه في القصة والشعر والصحافة والمقالة والبحوث والعلوم والنقد والفنون والفلسفة والترجمة والسياسة، والتي اكتسبها عن طريق جهوده الذاتية فثقف نفسه ثقافة عميقة وعالية لم تتح للكثيرين من أمثاله ممن التحقوا بأفخم الجامعات وحصلوا على أرقى الشهادات.. وأن كل ذلك يجب أن يلهمنا لنقول في ذكراه وأمثاله من قادة الفكر بدل النسيان.. رحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه فسيح الجنان وجزاه عنا خير الجزاء.

صور العقاد نقلاً عن كتاب مع عاهل الجزيرة العربية لمؤلفه عامر العقاد.
ذو صلة